aborami10 لـــون جديد
السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 04/09/2010 المزاج : عال العال
| موضوع: » سلسلة كتب الأمة » 1 - مشكلات في طريق الحياة الإسلامية » الزواج العرفي السبت سبتمبر 04, 2010 11:23 pm | |
| الزواج العرفي في ميزان الشرع
· يقول فضيلة شيخ الأزهر:
على الجهات التشريعية في الدولة أن تصدر قانوناً يشتمل على عقوبة مناسبة تقع على كل من يثبت عليه أنه تزوج زواجاً لم يوثق
وعدم توثيق عقد الزواج أمام المأذون أو الجهات الرسمية ينتج عنه أضرار كثيرة تعود على المرأة ، وتتحمل هي أخطر أوزاره، وأفدح نتائجه.
انتشر في مصر المعمورة في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة.. وهي انتشار الزواج العرفي، وخاصة بين طلبة الجامعات، وأصبحت تمثل ظاهرة تحمل في طياتها كوارث عظيمة، ومصيبة جللاً.. لما قد يترتب على ذلك من كوارث ونكبات، فقد يجد الأب يوماً ابنة له عندما يريد تزويجها ويفاجأ بأنها حامل !!
صور كثيرة تهز كيان الأسرة وتزلزلها بعيداً عن أعين الأهل… وأطفال ينجبون من خلال علاقات بين الشباب ينكر نسبهم.. وفتاة يدخل بها شاب لفترة ثم سرعان ما ينكر علاقته بها بعد أن تكون قد وقعت الطامة .
هؤلاء هم أبناؤنا فلذات أكبادنا…
ومن خلال هذا التحقيق نريد أن نتعرف على الحكم الشرعي لتلك الصور والأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب إلى ذلك ، والأرقام التي تم حصرها عن هذا النوع ممن يسمونه بالزواج العرفي مخيفة ، فهي تبلغ الآلاف بين طلبة الجامعات، فقد نشرت استبانة قامت بها الدكتورة ليلى شحاته ضرغام، وكيلة كلية طب المنوفية عن الزواج العرفي وتم نشره في إحدى الجرائد الأسبوعية ننشر نتيجته لكي نتعرف على حجم المأساة، بل إن الكارثة والطامة الكبرى أن الزواج العرفي تسلل منذ سنوات إلى المدارس الإعدادية والثانوية… طلبة في عمر الزهور.. بل أطفال يقتلون البراءة ويسحقون الطهارة بممارساتهم التي تقع تحت مسمى عقد يباع في المكتبات مع الأدوات المدرسية يسمى عقد الزواج العرفي!!
فهل يقع ذلك نتيجة خلل في الأسر، أو نتيجة قصور في القوانين المنظِّمة للزواج.. أو من بعض الزوجات اللاتي يخشين من حرمانهن من المعاش في حالة الزواج بعد وفاة الزوج الأول، أو صعوبة الزواج بالثانية واشتراط معرفة الزوجة الأولى، أو هي الفتن المحيطة بالشباب، وخاصة فتنة النساء، أو إنه الفارق الزمني بين البلوغ الجنسي والنضج الاجتماعي والمادي فتقع الواقعة، أو ابتعاد الأمهات عن بناتهن لانشغالهن بالعمل… وهو من أهم مساوئ عمل المرأة… فضلاً عن الأب المغيب أو الغائب للبحث عن لقمة العيش وتحسين الدخل المحدود… أو الاختلاط بين الشباب في الجامعات والمدارس ووسائل المواصلات؟!
ومع خطورة هذا الأمر الذي يهدد كيان المجتمع بالويل والثبور ، وعظائم الأمور والنتائج الوخيمة المفجعة كان لا بد لنا من التعرف إلى هذا الموضوع من خلال تحديد الداء، والبحث عن الدواء من خلال هذا التحقيق مع نخبة من علماء الدين نتابع معاً التحقيق التالي:
يقول فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي :
إن الخلط بين الأمور هو الذي يؤدي إلى عدم الفهم السليم، فالزواج العرفي زواج تتوفر فيه جميع الأركان الشرعية من إيجاب وقَبول، ومهر، وعقد، وولي. ولو أن الإمام أبا حنيفة قد أجاز للمرأة العاقلة البالغة أن تزوج نفسها، بشرط أن تتزوج من هو كفء لها، فهو إذاً زواج تتوفر فيه كل الأركان ما عدا التوثيق.
ويواصل فضيلة الشيخ حديثه قائلاً : ولكن عندما يحدث ذلك بين طلبة الجامعات بأن يتزوج شاب بفتاة بعيداً عن أهلها ، وتقع المصائب والكوارث بعد ذلك ،
فلا نستطيع وصف ذلك إلا بأنه زنا .
توثيق عقد الزواج
يقول فضيلة الإمام : إن الله سبحانه وتعالى قد أوجد الناس جميعاً من أب واحد ومن أم واحدة .
قال تعالى: ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء…) (النساء:1) .
فهذه الآية الكريمة تدل على أن الناس جميعاً قد جاؤوا من أصل واحد، كما تدل على أن الزواج هو الطريق الشرعي الصحيح الذي اختاره الخالق عز وجل لعمارة الكون ولوجود الذرية التي تأتي عن طريق هذا الزواج الشرعي الصحيح.
بل إن القرآن الكريم قد وضح أن الزوجية سنة من سنن الله في خلقه، وهذه السنة مطردة في عالم الإنسان وفي عالم الحيوان وفي عالم النبات وفي عوالم أخرى لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقال سبحانه : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (الذاريات:49) ، أي: ومن كل شيء في هذا الكون أوجدنا نوعين متقابلين، كالذكر والأنثى، والليل والنهار، والسماء والأرض.
لا بد أن يكون عقد الزواج مكتمل الأركان
وقد وضعت شريعة الإسلام لعقد الزواج أركاناً وشروطاً، لا بد من تحققها لكي يكون صحيحاً، ومن أهم هذه الأركان والشروط عند جمهور الفقهاء:
أ - أن يكون مشتملاً على الإيجاب والقبول، أي: على التراضي بين الزوجين دون إكراه.
ب - أن يتولى عقد النكاح ولي المرأة التي يراد الزواج بها أو نائبها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[ لا نكاح إلا بولي ] ( رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ أيما امرأةٍ نكحت - أي : زوجت نفسها - بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ] ( رواه أحمد ، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه ) .
ج- أن يشهد على العقد شاهدان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ] . ( رواه الدارقطني ) .
د- أن يعلن الزواج بأية وسيلة كانت؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف ] .
هذه هي أهم الأركان والشروط عند جمهور الفقهاء للزواج الشرعي الصحيح، وهي كلها من أجل مصلحة الزوجين اللذين جعل الله ارتباطهما يقوم على سكن أحدهما إلى الآخر وعلى المودة والرحمة .
الزواج العرفي غير الموثق
ويضيف فضيلة شيخ الأزهر: ولا نجد جملة فيها ما فيها من اللطافة والأدب وسمو التصوير لما بين الزوجين من شدة الاتصال والقرب واستتار أحدهما بالآخر ، وفيها كل المعاني الكريمة تقرب في سموها من قوله تعالى: (هُنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (البقرة:187) أي: إن كل واحد من الزوجين يسكن إلى صاحبه، ويكون في شدة القرب منه كالثوب الساتر لصاحبه.
ومما كثر الحديث عنه في هذه الأيام ما يسمى بالزواج العرفي، أو بالزواج غير الموثق أمام المأذون الشرعي، أو أمام الجهات الرسمية التي خصصتها الدولة لهذا الغرض.
وهذا الزواج - حتى لو كان مشتملاً على الأركان والشروط الشرعية لعقد الزواج - فإنه يكفي للتحذير منه وللبعد عنه عدم توثيقه؛ لأن هذا التوثيق وضعته الدولة لصيانة حقوق الزوجية وهو أمر تدعو إليه شريعة الإسلام، فقد وصف الله تعالى عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ، حيث قال: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) (النساء:21). أي إن النساء أخذن عهداً موثقاً على الرجال عند الزواج بهن أن يعاشروهن بالمعروف.
ومع أن الآخذ لهذا العهد في الحقيقة هو الله تعالى، إلا أنه سبحانه نسبه إلى النساء للمبالغة في المحافظة على حقوقهن، حتى جعلهن سبحانه كأنهن الآخذات لهذا العهد
وفضلاً عن ذلك، ففي عدم توثيق عقد الزواج أمام المأذون الشرعي أو الجهات الرسمية المخصصة لهذا الغرض أضرار كثيرة معظمها يعود على المرأة إذ تتحمل هي أخطر أوزاره، وأفدح نتائجه في عرضها وسمعتها، وتوصد دونها أبواب القضاء عند الإنكار الذي يحدث دائماً، فلا تسمع دعواها، ولا تحظى بأي حقوق، ويضيع ولدها، فلا اعتراف بنسبه، ولا نفقة له، ولا رعاية لشؤونه من والده أو من عشيرة والدته.
المطالبة بإيقاع العقوبة على المتزوج من غير توثيق
لهذه الأضرار وغيرها يرى مجمع البحوث الإسلامية أن على الجهات التشريعية في الدولة أن تصدر قانوناً يشتمل على عقوبة مناسبة تقع على كل من يثبت عليه أنه تزوج زواجاً لم يوثق أمام المأذون أو أمام الجهات الرسمية التي خصصتها الدولة لهذا الغرض، وعلى كل من قام بالشهادة على هذا العقد أو اشترك فيه بأية صورة من الصور لمخالفته للنظام الصحيح الذي وضعته الدولة لعقد الزواج والذي تقره وتؤيده شريعة الإسلام .
على ألا يسمح القانون الذي يصدر بأن يفلت من العقاب من ينكر وقوع الزواج غير الموثق مع ثبوت قيام علاقة غير شرعية .
الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية:
الزواج العرفي لا يكون صحيحاً شرعاً في هذا الزمن الذي قلّ فيه الوازع الديني، وكثرت فيه الفتن ، وإنكار الشهادات وضياع الحقوق الزوجية ، والنسب للحمل من هذا الزواج ولا يكون هذا الزواج صحيحاً أو مشروعاً إلا إذا توافرت فيه أركان الزواج وشروطه!!
وعن حكم الدين في الزواج العرفي، وهل هو صحيح من ناحية الشرع والقانون أو لا ؟ يقول فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية :
إن الزواج العرفي لا يكون صحيحاً شرعاً في هذا الزمن الذي نحن فيه والذي قل فيه الوازع الديني وكثرت فيه الفتن وإنكار الشهادات التي يشهد بها شهود الزور وضياع الحقوق الزوجية والنسب للحمل الذي ينشأ من هذا الزواج لا يكون هذا الزواج صحيحاً ومشروعاً إلا إذا توفرت أركانه وشروطه الشرعية وهي :
1- الصيغة الشرعية الصحيحة بين الزوج أو وكيله وولي الزوجة أو وكيلها الشرعي من أحد أوليائها الشرعيين.
2- وجود الولي الشرعي للزوجة أثناء العقد ليتولى العقد بنفسه نيابة عنها؛ لأن الولي الشرعي ركن من أركان الزواج عند جمهور الفقهاء، وتخلف هذا الركن يبطل العقد عند الجمهور وهذا ما نراه ملائماً لهذا الزمن منعاً للتحايل، ومنعاً للفساد الذي يحدث في هذه الأيام.
3- وجود الشهود العدول عند صيغة العقد - والعدالة الظاهرة شرط في صحة شهادة الشاهد على عقد الزواج - والعدالة تتطلب من الشخص ألا يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر ولم يكن مصراً على ارتكاب الكثير من الصغائر.
4- إعلان النكاح؛ أي الزواج عند العقد إعلاناً عاماً، وذلك بالطرق المتعارف عليها بين الناس ومنها - بل من أهمها- إقامة العرس والفرح ودعوة الناس لحضور العقد، والضرب عليه بالدف وإعلانه بكل وسائل الزينة المشروعة والزفاف بين الناس، وبذلك قال الإمام مالك لحديث: [ أعلنوا النكاح ولو بالدف ] ، ولذلك كان الإعلان بعقد النكاح عند مالك ركناً من أركان النكاح، وهذا صحيح في هذا العصر، ونقول بوجوب العمل به حتى نحكم على العقد العرفي بأنه عقد شرعي صحيح.
وبناءً على ذلك فإن أي عقد يصدر ولم تتوفر فيه هذه الشروط والأركان لا يكون عقداً شرعياً صحيحاً ولا يعتد به شرعاً، ويكون العقد بغير ذلك في حكم الزنا يوجب العقوبة التعزيرية بالنسبة للطرفين معاً والشهود.
المرأة تسير وراء شيطانها فترفض تعدد الزوجات!!
وعن الزواج العرفي وضرورة التعرف على الأسباب التي ساعدت على انتشاره بين الناس في هذه الأيام يقول فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية :
إن التعارض بين الأمور الفطرية وبين نظام العلاقات الاجتماعية يؤدي إلى كثير من المفاسد، وقد جاء الشرع ليضع النظام الذي يتوافق مع الفطرة، فالله جلت قدرته قد جعل الرجل يميل للمرأة، والمرأة تميل للرجل، وتنظيماً لهذا الميل أمر الله تعالى بالزواج، وشرعه ونظمه، ورب العزة سبحانه وتعالى جعل في المرأة غيرة فطرية تنتظم بها العلاقات لتبقى حريصة على بيتها ، وأمر الشرع الرجل إذا عدّد الزوجات أن يعدل بينهن ، وبين أن هناك عدلاً غير مستطاع وهو عدل في الميل القلبي، وعدلاً مطالباً به كل من عدد الزوجات، وهو العدل في المبيت والنفقة.
وقد جاء الشرع ليجعل للمرأة الحق في الزواج إذا بلغت ولا يُفرض عليها زوج بعينه، ولكن النظام الوضعي جاء ليرفع سن البنت.. فبدلاً من أن تتزوج في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمرها، وهو بدء البلوغ رفع السن الذي يُسمح لها بالزواج فيه إلى ما فوق العشرين.
تعدد الزوجات من أهم أسباب تكريم المرأة
وقد جاء الشرع متجاوباً مع الفطرة في أن المرأة تحمل وتحيض وتصل إلى سن اليأس في سن قريب، فأذن للرجل في تعدد الزوجات، فجاء النظام الاجتماعي ليجعل من تعدد الزوجات عيباً وعاراً، وجعل المرأة تسير وراء شيطانها فيحمسها ويجعلها ترفض تعدد الزوجات، مع أنه من أهم أسباب تكريم المرأة، فأيام أن كان تعدد الزوجات منتشراً كانت المرأة عزيزة لا ترضى ذلاً في بيت ولا ضيماً فيه، فكانت تعرف أن الرجل إذا طلقها فسوف تدخل إلى بيت سواه!!
أما اليوم فإن المرأة تشكو الضيم في بيت زوجها ، ويقول لها الجميع : اصبري وتحملي ؛ لأنها إن خرجت من بيت زوجها فأين تذهب ، وليس هناك تعدد زوجات، وتعامل المطلقة على أنها قد أذنبت ، وينظر إليها المجتمع نظرة شائنة ، وعلى الجانب الآخر فإن الرجل يرى أن ابنته لا بد أن تعمل وأن تتكسب، فيبحث عن بلوغها إلى درجة علمية، سواء كان ذلك مؤهلاً عالياً أو فوق ذلك، وكلما علت المرأة في درجتها العلمية ضاقت فرصة الزواج عندها ، فالمرأة الأمية يمكن أن يتزوجها أي إنسان ؛ لأن الرجل عادة ينظر إلى الزواج ممن هي أدنى منه في الدرجات العلمية ؛ لأن المرأة إذ بلغت حداً من الثقافة فحصلت على مؤهل عال كالهندسة أو الطب أو الصيدلة ؛ ففي هذه الحالة لا بد أن تتزوج ممن هو في مستواها.. إذاً ضاقت فرصة الزواج بها بتضييق من يرغب فيها، ونجد في الطرف الآخر أنه تتسع دائرة الزواج عند الرجل عندما تعلو درجته العلمية وقدرته العلمية وقدرته المالية، فيوجد ذلك نتائج منها ارتفاع معدل العنوسة، وارتفاع سن الزواج.
شباب الجامعات.. والرغبات الفطرية في الزواج
ويواصل الشيخ كلامه مفنداً هذا الأمر الخطير فيقول: إن مكمن الخطورة في الزواج العرفي، أو الذي يسمونه عرفياً، وهو ليس عرفياً؛ لأن العرف هو ما تعارف عليه المسلمون ، فيمكن للمرأة التي مات عنها زوجها أن تتزوج زواجاً عرفياً، بمعنى أن يأتي الأهل ويجتمعوا جميعاً ويتم الزواج، ويكتبوا ورقة الزواج العرفي، ويعيشوا حياة طبيعية، ولكن عندما تأتي الطالبة الجامعية وتتزوج بعيداً عن الأهل، فإن ذلك يكون من أشد المصائب خصوصاً إذا حملت وأتاها ولد، وأبواها لا يعرفان شيئاً عما فعلت ، مع أننا نستند في قانون الأحوال الشخصية إلى رأي مرجوح بجواز عقد الزواج دون إذن الولي، فتكمن الخطورة في هذه النقطة، ونجد شباب الجامعات ينفسون عن رغباتهم الفطرية بهذا الزواج، فيجدون فرصة الزواج عن طريق ورقة مكتوبة ويؤتى بشاهدين، ويتواصيان على الكتمان، وألا يذكر أحد منهم شيئاً من ذلك، وهذا في رأيي مكمن الخطر في الزواج العرفي.
هذه الصورة ليست زواجاً أصلاً
وعن حكم الشرع في مثل هذه الصورة التي ذكرها الشيخ يقول فضيلته:
إن هذا ليس زواجاً أصلا ً، لا عرفياً ، ولا شرعياً ، ولا رسمياً ؛ لأنهم أهملوا الولي، وتواطؤوا على الكتمان ولم يشهدوا، ولم يثبت حد الاكتفاء بشاهدين، وهذا يعني أن الإشهار أعلى من معرفة اثنين، فالإشهار ضرب دف وغناء بين النساء واحتفال واجتماع للناس، حتى يعرف الجميع أن هناك زواج فلانة بفلان، ولكن أن يجلس اثنان في غرفة فليس هذا إشهاراً ، ومن المعروف أن هذه الصورة من الزواج العرفي تتم دون الولي وفي غيابه، ومن ثم تقع الكوارث، وحتى عند اللجوء للمأذون الشرعي وتسجيل العقد عنده، فإن العقد بهذه الكيفية يصبح محل شك كبير؛ لأن رب العزة سبحانه وتعالى قال: ( ولا متخذي أخدان ) ( المائدة:5) ، والخدن : هو أن يزني الرجل بامرأة بعينها وتزني به ، فهذا الذي يسمونه بالزواج العرفي والذي يحدث بين الشباب دون علم أولياء الأمور، إن لم يكن هذا هو المخادنة عينها فهو أقرب إليها ، وهو بعيد تماماً عن الزواج ومقاصده الشرعية، بل ومقاصده الاجتماعية والعرفية.
التزوج بغير تسجيل للعقد
ولكن هل يمكن الحكم على الزواج العرفي بكل أنواعه بالحرمة، حتى إذا توفرت فيه أركان الزواج ؟
يقول فضيلة الشيخ: إن الحرمة في الزواج العرفي كامل الأركان سببها أنها مخالفة لما حده ولي الأمر، فالسلطان له أن يحد بعض المباحات ، والمباحات قسمان : قسم يجوز للسلطان أن يحده، وقسم لا يجوز له أن يحده، ومن أمثلة القسم الذي يجوز له أن يحده: السير في الطريق العام، فعندما يقال: إن هذا الطريق يمنع الدخول فيه والسير فيه في اتجاه واحد، إنما فعل ذلك لمقصد شرعي هو حماية الدماء وحماية الناس، فلا يجوز مخالفته ويأثم مخالفه، فإشارات المرور هذه وجودها شرعي، وتسجيل البيوت والعقارات والمنازل في الشهر العقاري أمر مباح، فإنه لما حده ولي الأمر أصبح مخالفة التسجيل فيه مخالفة شرعية؛ لأن فيه ضياعاً للأموال، وكذلك حماية الأعراض عندما يُلزم ولي الأمر بتسجيل عقود الزواج في المحاكم الشرعية يأثم من تزوج بغير التسجيل مع صحة العقد.
كل زواج عرفي فيه إثم
ويشدد الشيخ قائلاً: إن كل زواج عرفي فيه إثم، ولكن على من يقع هذا الإثم؟ فإما أن يكون على الولي الذي طلب أن يكون الزواج عرفياً لأمر ما، أو على الزوج، أو على ولي الأمر الذي جعل المرأة محتاجة للمعاش، ومحتاجة للزواج وحرمها من الجمع بين المعاشين، فهذا يأثم، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما مر على بيت فسمع طفلاً يبكي فقال: أسكتي الغلام يا أم الغلام ، أسكتي الغلام يا أم الغلام، فلما أكثر عليها قالت: فماذا نفعل وعمر يعطي للفطيم ولا يعطي للرضيع، فبكى عمر، وأصبح في الناس ينادي: نحن نعطي للفطيم ونعطي للرضيع، فتخلص من ذلك الإثم الذي وقع فيه، فالإثم في كل عقد عرفي موجود، وقد يكون هذا الإثم على أحد أطرافه أو على من أجبرهم على ذلك؛ لأننا قد نجد فتاة تحتاج إلى الزواج وهي دون سن الزواج، وقد تجد شاباً يحتاج إلى الزواج وهو دون سن الزواج، ويمنعونهما من الزواج بسبب عدم بلوغ السن الذي حدده القانون، فيعقد عرفياً.
فكل عقد عرفي فيه إثم، ولكن ليس معنى الإثم بطلان العقد، بل قد يكون العقد صحيحاً إذا توفرت فيه أركانه: الإيجاب والقبول والإشهاد والإشهار ووجود الولي، فالزواج العرفي إذا توافرت فيه الأركان يصبح صحيحاً مع وجود الإثم، وإذا لم تتوفر فيه الأركان صار باطلاً ويجب التفريق.
الطلاق
أ.د. يوسف القرضاوي
ركز الغزو التنصيري والاستشراقي في العصر الأخير هجومه على أمرين، اتخذهما للطعن على موقف الإسلام من المرأة، وهما - وايمُ الحق - من مفاخره ومآثره، ذانك هما: الطلاق، وتعدد الزوجات.
ومن المؤسف حقاً أن يروج ذلك عند بعض المسلمين، فيتحدثون عنهما باعتبارهما مشكلتين من مشكلات الأسرة والمجتمع، يتحدثون حديثاً فيه غمز للإسلام العظيم وشريعته الغراء.
والحق أن الإسلام لم يشرع هذين الأمرين إلا ليعالج بهما مشكلات جمة، في حياة الرجل والمرأة، وحياة الأسرة والمجتمع. والمشكلة الحقيقية إنما هي في سوء فهم ما شرع الله، أو في سوء تطبيقه، وكل شيء إذا أسيء استعماله أدى إلى ضرر بليغ.
· لماذا شرع الإسلام الطلاق؟
ليس كل طلاق محموداً في الإسلام، فمن الطلاق ما يكرهه بل يحرمه، لما فيه من هدم الأسرة التي يحرص الإسلام على بنائها وتكوينها. ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : [ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ] .
إنما الطلاق الذي شرعه الإسلام هو أشبه ما يكون بالعملية الجراحية المؤلمة، التي يتحمل الإنسان العاقل فيها آلام جرحه ، بل بتر عضو منه ، حفاظاً على بقية الجسد ، ودفعاً لضرر أكبر.
فإذا استحكم النفور بين الزوجين ، ولم تنجح كل وسائل الإصلاح ومحاولات المصلحين في التوفيق بينهما ، فإن الطلاق - في هذه الحالة - هو الدواء المر، الذي لا دواء غيره. ولهذا قيل : إن لم يكن وفاق ففراق، وقال القرآن الكريم: (وإن يتفرقا يُغن الله كلاً من سعته) .
وما شرعه الإسلام هنا هو الذي يفرضه العقل والحكمة والمصلحة، فإن من أبعد الأمور عن المنطق والفطرة ، أن تُفرض بقوة القانون شركة مؤبدة على شريكين ، لا يرتاح أحدهما للآخر ولا يثق به.
إن فرض هذه الحياة بسلطان القانون عقوبة قاسية، لا يستحقها الإنسان إلا بجريمة كبيرة، إنها شر من السجن المؤبد، بل هي الجحيم الذي لا يُطاق.
وقديماً قال أحد الحكماء: "إن من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك"
وقال المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحُرّ أن يرى عدوّاً له ما من صداقته بُدُّ
وإذا قيل هذا في الصاحب الذي يلقاه الإنسان أياماً في الأسبوع، أو ساعات في اليوم، فكيف بالزوجة التي هي قعيدة بيته، وصاحبة جنبه، وشريكة عمره؟
· تضييق دائرة الطلاق:
على أن الإسلام قد وضع جملة من المبادئ والتعاليم، لو أحسن الناس اتباعها والعمل بها لقللت الحاجة إلى الطلاق، ولضيقت من نطاقه إلى حد بعيد، ومن ذلك:
1- حُسْن اختيار الزوجة، وتوجيه العناية إلى الدين والخُلُق، قبل المال والجاه والجمال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ تُنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ] . [ متفق عليه ] .
2- النظر إلى المخطوبة قبل العقد، ليطمئن على مبلغ حسنها في نظره وموقعها من قلبه، ولأن هذا النظر المبكر رسول الألفة والمودة.
3- اهتمام المرأة وأوليائها باختيار الزوج الكريم، وإيثار من يرضى دينه وخلقه: [إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه ] . [رواه البخاري] .
4- اشتراط رضا المرأة بالزواج ممن يتقدم لها، ولا يجوز أبداً إجبارها على من لا ترغب فيه.
5- اعتبار رضى ولي المرأة وموافقته وجوباً أو استحباباً.
6- الأمر بمشاورة الأمهات في زواج بناتهن، ليقوم الزواج على أساس مكين من رضا الأطراف كلها فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: [ آمروا النساء في بناتهن] .
7- إيجاب المعاشرة بالمعروف، وتفصيل الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وإيقاظ الضمائر المؤمنة بالتزام حدود الله فيها، وتقوى الله في مراعاتها.
8- ترغيب الزوج في أن يكون واقعياً، بحيث لا ينشد الكمال في زوجه، بل ينظر إلى ما فيها من محاسن، إلى جوار ما يكون بها من عيوب، فإن سخط منها خُلُقاً رضي منها آخر.
9- دعوة الزوج إلى تحكيم العقل والمصلحة إذا أحسّ بباعث الكراهية نحو زوجته، فلا يسارع بالاستجابة إلى عاطفته ، راجياً أن يغير الله الحال إلى ما هو خير. قال تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) . [النساء 19].
10- أمر الزوج أن يعالج الزوجة الناشزة العاصية بالحكمة والتدرج، من اللين في غير ضعف، إلى الشدة في غير عنف. قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن الله كان علياً كبيراً) . [النساء 34].
11- أمر المجتمع بالتدخل عند وقوع الشقاق بين الزوجين، وذلك بتشكيل "مجلس عائلي: من ثقات أهله وأهلها، لمحاولة الإصلاح والتوفيق، وحل الأزمة القائمة بالحسنى. قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكَماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفقِ الله بينهما) . [النساء 35] .
هذه هي تعاليم الإسلام، ولو أن المسلمين اتبعوها ورعوها حق رعايتها، لانحصر الطلاق في أضيق نطاق.
· متى وكيف يقع الطلاق؟
على أن الإسلام لم يشرع الطلاق في كل وقت ولا في كل حال، إن الطلاق المشروع الذي جاء به القرآن والسنة : أن يتأنى الرجل ويتخير الوقت المناسب ، فلا يطلق امرأته في حيض ، ولا في طُهر جامعها فيه، فإن فعل كان طلاقه طلاقاً بدعياً محرماً ، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يقع، لأنه أوقعه على غير ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث الصحيح : [ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ ] أي مردود على صاحبه .
ويجب أن يكون المطلق في حالة وعي ، واتزان واختيار ، فإذا كان فاقد الوعي ، أومُكرهاً، أو غضبان غضباً أغلق عليه قصده وتصوره، فتفوه بما لم يكن يريد، فهذا لا يقع على الصحيح، للحديث الشريف: [ لا طلاق في إغلاق ] فسره أبو داود بالغضب ، وفسره غيره بالإكراه ، وكلاهما صحيح .
ويجب أن يكون قاصداً للطلاق والانفصال عن زوجته بالفعل، أما أن يجعل من الطلاق يميناً يحلف به، أو يهدد به ويتوعد. فلا يقع على الصحيح كما قال بذلك بعض علماء السلف، ورجّحه العلامة ابن القيم ، وشيخه ابن تيمية.
وإذا كانت كل هذه الأنواع من الطلاق لا تقع ، فقد بقي الطلاق المَنْوِيّ (الذي فيه نية الطلاق) المقصود، الذي يفكر فيه الزوج، ويدرسه قبل أن يقدم عليه ، ويراه العلاج الفذ للخلاص من حياة لا يطيق صبراً عليها. فهذا هو الذي قال فيه ابن عباس: [ إنما الطلاق عن وطر ] .
· ما بعد الطلاق:
على أن وقوع الطلاق لا يقطع حبل الزوجية قطعاً باتاً، لا سبيل إلى إصلاحه. كلا فالطلاق - كما جاء في القرآن - يعطي لكل مطلق فرصتين للمراجعة وتدارك الأمر . فلا بد أن يكون الطلاق مرة بعد مرة. فإذا لم تُجْدِ المرتان كانت الثالثة هي الباتة القاطعة. ( فلا تحل له من بعدُ حتى تَنكح زوجاً غيره ) .
ولهذا كان جمع الثلاث في لفظة واحدة ضد ما شرعه القرآن ، وهذا ما بينه واستدل له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ،وأخذت به المحاكم الشرعية في كثير من البلاد العربية .
وعلى كل حال فالطلاق لا يحرم المرأة من نفقتها ، طوال مدة العدة، ولا يبيح للزوج إخراجها من بيت الزوجية، بل يفرض عليه أن تبقى في بيتها قريبة منه، لعل الحنين يعود ، والقلوب تصفو ، والبواعث تتجدد : (لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً ) . [الطلاق 1] .
والطلاق لا يبيح للرجل أن يأكل على المرأة مهرها، أو يسترد منها ما أعطى من قبل: ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) . [البقرة 229] .
كما أن لها حق المتعة بما يقرره العرف: ( وللمطلقات متاعٌ بالمعروف ، حقّاً على المتقين) . [البقرة 241] .
كما لا يحل للمطلِّق أن يشنع على زوجته أو يشيع عنها السوء أو يؤذيها في نفسها أو أهليها : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، [البقرة 229] ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) . [البقرة 237] .
هذا هو الطلاق كما شرعه الإسلام.
إنه العلاج الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، وبالقدر الذي ينبغي، وبالأسلوب الذي ينبغي، للهدف الذي ينبغي.
ولقد حرمت المسيحية الطلاق تحريماً باتاً عند الكاثوليك، وباستثناء علة الزنا عند الأرثوذكس . فكانت النتيجة أن خرج الكثيرون من المسيحيين على هذا التحريم، مما اضطر معظم الدول المسيحية إلى سَنّ قوانين وضعية، تبيح لهم الطلاق بعيداً عن تعليمات الكنيسة . فلا عجب أن صاروا يُطلقون لأتفه الأسباب، وأن صارت حياتهم الزوجية عُرضة للانحلال والانهيار.
· لماذا جُعل الطلاق بيد الرجل؟
ويقولون : لماذا جُعل الطلاق بيد الرجل وحده ؟
ونقول : إنّ الرجل هو رب الأسرة وعائلها، والمسؤول الأول عنها ، وهو الذي دفع المهر، وما بعد المهر، حتى قام بناء الأسرة على كاهله، ومن كان كذلك كان عزيزاً عليه أن يتحطم بناءُ الأسرة إلا لدوافع غلابة ، وضرورات قاهرة ، تجعله يضحي بكل تلك النفقات والخسائر من أجلها.
ثم إنّ الرجل أبصرُ بالعواقب، وأكثر تريثاً، وأقل تأثراً من المرأة، فهو أولى أن تكون العُقدة في يده ، أما المرأة فهي سريعة التأثر ، شديدة الانفعال ، حارة العاطفة ، فلو كان بيدها الطلاق لأسرعت به لأتفه الأسباب، وكلما نشب خلاف صغير.
كما أنه ليس من المصلحة أن يُفوض الطلاق إلى المحكمة، فليس كل أسباب الطلاق مما يجوز أن يذاع في المحاكم ، يتناقله المحامون والكُتاب ويصبح مضغة في الأفواه .
على أن الغربيين قد جعلوا الطلاق عن طريق المحكمة، فما قلّ الطلاق عندهم ، ولا وقفت المحكمة في سبيل رجل أو امرأة يرغب في الطلاق.
· كيف تتخلص الزوجة الكارهة من زوجها؟
وهناك سؤال يَعِنّ لكثير من الناس: إذا كان الطلاق بيد الرجل - كما عرفنا من أسباب ومبررات - فما الذي جعله الشرع بيد المرأة؟ وما سبيلها إلى التخلص من نير الزوج إذا كرهت الحياة معه لغلظ طبعه ، أو سوء خُلُقه ، أو لتقصيره في حقوقها تقصيراً ظاهراً ، أو لعجزه البدني أو المالي عن الوفاء بهذه الحقوق، أو لغير ذلك من الأسباب.
والجواب : أن الشارع الحكيم جعل للمرأة عدة مخارج ، تستطيع بأحدها التخلص من ورطتها .
1- اشتراطها في العقد أن يكون الطلاق بيدها، فهذا جائر عند أبي حنيفة وأحمد. وفي الصحيح : [ أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ] .
2- الخلع : فللمرأة الكارهة لزوجها أن تفدي نفسها منه بأن ترد عليه ما أخذت من صداق ونحوه ، إذ ليس من العدل أن تكون هي الراغبة في الفراق وهدم عش الزوجية ، ويكون الرجل هو الغارم وحده، قال تعالى: ( فإن خفتم ألا يقيما حُدود الله فلا جُناح عليهما فيما افتدت به ) . [البقرة 229] .
وفي السنة : أن امرأة ثابت بن قيس شكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شدة بغضها له فقال لها : [ أتردين عليه حديقته ؟ ] وكانت هي مهرَها - فقالت : نعم فأمر الرسول ثابتاً أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد].
1. تفريق الحكمين عند الشقاق.. فقد قال تعالى: ( وإن خفتم شِقاقَ بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريداً إصلاحاً يوفق الله بينهما ) [النساء 35] وتسمية القرآن لهذا المجلس العائلي بـ "الحكمين" يدل على أن لهما حق الحكم والفصل، وقد قال بعض الصحابة للحكمين: إن شئتما أن تجمعا فاجمعا، وإن شئتما أن تُفرقا ففرقا.
2- التفريق للعيوب الجنسية.. فإذا كان في الرجل عيب يعجزه عن الاتصال الجنسي ، فللمرأة أن ترفع أمرها إلى القضاء فيحكم بالتفريق بينهما، دفعاً للضرر عنها، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
5- التطليق لمضارّة الزوجة.. إذا ضار الزوج زوجته وآذاها وضيق عليها ظلماً كأن امتنع من الإنفاق عليها، فللمرأة أن تطلب من القاضي تطليقها، فيطلقها عليه جبراً، ليرفع الضرر والظلم عنها . قال تعالى : ( ولا تُمسكوهنَّ ضراراً لتعتدوا ) ، [البقرة 231] وقال تعالى: ( فإمساك بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان ) . [البقرة 229] ومن مضارتها : ضربها بغير حق.
بل لقد ذهب بعض الأئمة إلى جواز التفريق بين المرأة وزوجها المعسر، إذا عجز عن النفقة، وطلبت هي ذلك ، لأن الشرع لم يكلفها الصبر على الجوع مع زوج فقير، ما لم تقبل هي ذلك من باب الوفاء ومكارم الأخلاق.
وبهذه المخارج فتح الإسلام للمرأة أبواباً عدة للتحرر من قسوة بعض الأزواج ، وتسلطهم بغير حق .
إن القوانين التي يضعها الرجال ، لا يبعد أن تجور على حقوق النساء ، أما القانون الذي يضعه خالق الرجل والمرأة وربهما ، فلا جور فيه ولا محاباة ، إنه العدل كل العدل: ( ومن أحسنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقنونَ ). [المائدة 50] .
· إساءة استخدام الطلاق :
بقي أن نقول: إن كثيراً من المسلمين أساؤوا استخدام الطلاق، ووضعوه في غير موضعه، وشهروه سيفاً مُصْلتاً على عنق الزوجة، واستعملوه يميناً يُحلف به على ما عظم وما هان من الأشياء ، وتوسع كثير من الفقهاء في إيقاع الطلاق - حتى طلاق السكران والغضبان ، بل المُكْره - مع أن الحديث يقول : [ لا طلاق في إغلاق ] وابن عباس يقول : [ إنما الطلاق عن وطر ] حتى أوقعوا طلاق الثلاث بلفظة واحدة في حالة غضب أريد به التهديد في شجار خارج البيت ، وهو مع زوجته في غاية السعادة والتوفيق !
ولكن الذي تدل عليه النصوص ومقاصد الشريعة السمحة في بناء الأسرة والمحافظة عليها هو التضييق في إيقاع الطلاق .
فلا يقع إلا بلفظ معين ، في وقت معين ، بنية معينة . وهو الذي ندين الله به ، وهو ما اتجه إليه الإمام البخاري ، وبعض السلف ، وأيده ابن تيمية وابن القيم ومن وافقهما. وهو الذي يعبر عن روح الإسلام .
أما سوء الفهم أو سوء التنفيذ لأحكام الإسلام ، فهو مسؤولية المسلمين، وليست مسؤولية الإسلام .
من كتابه : (( مح المجتمع المسلم الذي ننشده ))
| |
|