موضوع: » سلسلة كتب الأمة » 1 - مشكلات في طريق الحياة الإسلامية » الزواج السبت سبتمبر 04, 2010 11:07 pm
افتتاحية المحرر :
الزوج هو ربان السفينة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج فإن استقام على الطريقة وصل إلى شاطئ النجاة .
وهو الممسك بزمام التغيير الاجتماعي والإصلاح ؛ فهو القائم بأعباء الأسرة والمربي للنشء فـ [ كلكم راع ومسؤول عن رعيته ] [ رواه البخاري ومسلم ]
ومسؤولية الزوج مسؤولية جسيمة ، وقلَّ من يقوم بحقها على أتم وجه ، وهي مسؤولية ممتدة تبدأ من ((اختيار الزوجة)) وتنتهي إلى خطر ((غياب الزوج)).
ومن واقع الأزواج نجد (( رسول الله أكرم زوج وأحناه )) وهو مثال الأسوة والقدوة ؛ لكن مع فساد الواقع ، وتردي الأخلاق ينحطُّ بعض الأزواج إلى درك الشقاء ، فيُشقي من حوله ، ويُحدِث توتراً في الأسرة والمجتمع .
لذا وجب علينا - معاشرَ الأزواج - أن نحفظ لـ (( زوجاتنا في البيوت حقوقهن )) وأن نرعى صحبتهن ، ونجتنب التقصير في حق الزوجات .
وسعياً منا نحو الإصلاح - ما استطعنا - نبين لك - أيها الزوج - (( كيف تكسب زوجتك ؟ )) .
المحرر ..
اختيار الزوجة
د. محمد لطفي الصباغ
دعا الإسلام أتباعه إلى الزواج ، وحرّم الرهبانية ، وجعل التزوج سنة من سننه ، وأباح الزواج من الكتابية ، وسهل أمور الزواج ولم يعقّدها. ورغّب ترغيباً شديداً في حسن الاختيار ، وأن يكون التخير من المسلمات ، وجعل الأساس الأفضـل والقياس المفضل هو التديُّن .
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أنه قال :
[ تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين . تربت يداك ] متفق عليه .
لقد ذكر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ مرغباتِ الزواج من المرأة عادةً فقرر أنها أربعة : وهي المال والحسب والجمال والدين .
وحضَّ على أن يكون المقياس المرغِّب في الزواج هو الدين . ولعمري إن ذلك هو الحق الذي تعضِّده أحداث الحياة في واقع الناس .
· فالمال عَرَضٌ زائل ، وعارية موقوتة .. فكم من الأغنياء أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها ، وكم من الفقراء أصبحوا أغنياء بين طرفة عين وانتباهتها .
· إنّ المال يتهدده الزوال السريع .
هذا وما علاقة السعادة بالمال ؟ إن هناك وهماً كبيراً يسيطر على كثير من الناس ، يحسبون السعادة قائمة على الغِنى والمال .والحقيقة أن المال لا يوجد السعادة .. بل قد يعين على تحقق السعادة إن كانت هي موجودة .
إنها إن لم تكن نابعةً من أعماق النفس بسبب الرضى والقناعة والمعاشرة الحلوة فإنّ المال لا يوجدها أبداً .
· والجمال مهما كان رائعاً فهو موقوت بالصحة والشباب ، وسرعان ما يذبل ويذوي مع تقدم السن ، وطروء المرض ، وتكرار الحمل والولادة .
· تصور يا سيدي أنك تزوجت ملكة جمال الكون ، وليس بينك وبينها تفاهم : فماذا أنت مستفيد من هذا الجمال ؟ إن الجمال ربما يعرض صاحبته إلى الغرور والفتنة والتعالي وشراسة الخلق .. ليس الجمال بحد ذاته عيباً ولا نقيصه ، وهو إن اجتمع مع الخلق والدين كان خيراً إلى خير ، ولكنه وحده لا يحقق السعادة بل
ولا المتعة . ولله درّ القائل ( وهو ابن لنكك ) :
إذا أخو الحسن أضحى فعلُه سمِجاً
رأيتَ صورتَه من أقبح الصورِ
وَهبْهُ كالشمس في حُسن ألم تَرَنا
نفرّ منها إذا مالت إلى الضررِ؟!
· والحسب أمر عرفي .. فالوجيه في قوم ربما كان في نظر آخرين وضيعاً ، وهو لا يغني عن العمل الصالح ولا الخلق شيئاً ، [ ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه ] . والحسب لا يتغير في ذاته كما يتغير المال والجمال ، ولكنه يتغير في نظر الآخرين
- كما أشرنا إلى ذلك آنفاً - فما كان مزيَّة في الحسب عند إنسـان قد يكون نقيصه في نظر آخرين .
والحسب الرفيع إن اجتمع مع الخلق السمح ، والتدين الصادق ، كان خيراً وبركة . ورسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يقول : [ الناس معادن: خيارهم
في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ] .
· أما التدين بالإسلام - التديّن الحق - فهو أمر لا يتغير ولا يختلف .
إن التدين الحق من الزوجة لا يعرض الزوج إلى الأزمات بكل أنواعها.. إنها تحفظه في عِرضها ، وفي ماله ، وفي أولاده ..
إنها تشجعه على كل أنواع البر والصلاح والتقوى .. إنها تكون عوناً له على بر والديه.. وعلى بـذل النفقة للمحتاجين والمعوزين .. إنها تنظر إليه نظـرة ملؤها الحب والرحمة والمودة والحنان .. إنها تطيعه في كل ما يأمر به -إلا أن يأمر بمعصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وتكون عوناً له على ما يلقى من الشدائد والصعوبات ، والأزمات والعقبات .. إنها تحسّ بأن الذي يتعرض له من الضيق أمر يهددها هي بالذات ، وتشعره بأنه ليس وحده يعاني ما يعاني .. وكم يخفف من وقع المصيبة أن يرى المصاب من يشاركه شعوره نحوها بصدق وأمانة ، وأن يرى أنّ معه من يقف موقفه تثبيتاً وتأييداً ودعماً ومشورة .
وتكاد تختفي من حياة زوج ذات الدين المشكلات تماماً ، ذلك لأنه ما من مشكلة إلا ولها حل في الإسلام ، فإذا كانت تقوم بواجبها بصـدق وحماسة خيمت على البيت سحائب السعادة والسرور .
والناس يحيون بالمعاني .. ويلتذون بالعواطف .. ويسعدون بالمشاعر أكثر من الأمور المادية الحسية .
إن هذا كله يدعو العاقل من المسلمين ألاَّ يُقدِّم على الدين في المرأة عاملاً آخر .
( كتاب نظرات في الأسرة المسلمة )
"الرسول صلى الله عليه وسلم كان أكرم زوج وأحناه"
محمد جلال كشك رحمه الله
· كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يذل الإنسـان نفسه بالاعتراف ، فنهى عن أن يفضح نفسه ، وقد ستر الله عليه .
· جاءه ماعز بن مالك .. وكان يتيماً رباه هزالٌ الأسلمي بوصية من أبي ماعـز ، فلما بلغ مبلغ الرجال جاء ماعز وصيَّه فقال له : إني كنت أحب أمرأة فنلت منها.. وقد ندمت على ما فعلت فما رأيك .. فأمره أن يأتي رسول الله، فيخبره. . ففعل ..
فيراجعه رسول الله أربع مرات .. لعلك قبلت لعلك غمزت.. والرجل يصِرُّ على أنه زنى .
فيسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة - وكان صـلى الله عليه وسلم يُكنيِ دائماً - فاعترف الرجل ، فعاد يسأله أسئلة دقيقة تفصيلية لعل الرجل يجد مخرجاً يعفيه .. أو لعل القانون يجد مخرجاً له .. ولكنّ ماعزاً يصر..
فعاد رسول الله يسأله: [ هل تعرف ما هو الزنى ؟ ] قال الرجل: نعم فعلت بها في الحرام ما أفعله بزوجتي في الحلال .
فيسأله رسول الله : أبك جنون ؟ ويسأل أصحابه ، فينفي الرجل وينفي أصحابه .
فيسأله رسول الله:[ فماذا تريد بهذا القول ؟ ] يقول ماعز: أريد أن أتطهر العقاب
ويشرع رسول الله أن هذا المعترف لو أنكـر عند بدء التنفيذ أو حاول الهرب .. وجب إيقاف التنفيذ .. كما يجب رده إلى الحاكم إذا طلب ذلك .
ولما عاب بعضهم صنيع ماعز قال رسول الله : [ لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم ] .
وقال رسول الله للوصي : [ يا هزال : بئس ما صنعت بيتيمك ؟ لو سترت عليه بطرف ردائك لكان خيراً لك ] . وهو القائل : [ ادرأوا الحدود بالشبهات ] أم القاعدة القانونية الحديثة . ( الشك يفسر لصالح المتهم ) .
صلى الله عليه وسلم :
· كان يحب المرأة .. إنسانا ً.. وأُمّا ً.. وزوجة .. وبنتاً.. وشريكة في الحياة .
سئل: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال :[ أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك] .
وقال : [ من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله ] .
وأمر الذين سألوه .. أن يزوجوا ابنتهم للفقير الذي تحبه ، لا للغني الذي يريدونه.
وكان صلوات الله عليه يقبّل عائشة ، وإذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب .. وكان يتكئ في حجرها ، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وكان يقبلها وهو صائم .. وزاحمته على الخروج من باب المنزل .
وغضب مرة مع عائشة فقال لها: هل ترضين أن يحكم بيننا أبوعبيدة بن الجراح ؟ فقالت: لا .. هذا رجل لن يحكم عليك لي ، قال: هل ترضين بعمر؟ قالت: لا..
أنا أخاف من عمر .. قال : هل ترضين بأبي بكر ( أبيها )؟ قالت : نعم ..
فجاء أبو بكر ، فطلب منه رسول الله أن يحكم بينهما.. ودهش أبو بكر وقال :
أنا يا رسول الله ؟ ثم بدأ رسول الله يحكي أصل الخلاف .. فقاطعته عائشة قائلة :
( اقصد يا رسول الله ) أي قل الحق .. فضربها أبو بكر على وجهها فنزل الدم من أنفها ، وقال : فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله ، فاستاء الرسول وقال : ما هذا أردنا .. وقام فغسل لها الدم من وجهها وثوبها بيده .
وكان إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفـها وقال : [ اللهم اغفر لها ذنبـها وأذهب غيظ قلبها ، وأعذها من الفتن ] .
وتغضب عمر على زوجته ، فتراجعه ، فأنكر أن تعارضه ، فقالت زوجته : ( لماذا تنكر أن أراجعك ، فو الله إن زوجات النبي _صلى الله عليه وسلم _ ليراجعنه ، وتهجره إحداهن إلى الليل ) .
وكان إذا دخل على أهله ليلاً سلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان .
وكره أن يفاجئ الرجل زوجته إذا عاد من السفر فجأة .. بل يبعث لها من يبلغـها بوصوله .
دخل أبو بكر عليه وهو مغطَّى بثوبه ، وفتاتان تضربان بالدف أمام عائشة فاستنكر ذلك ، فرفع النبي الغطاء عن وجهه وقال : دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد .
واتكأت عائشة على كتفه تتفرج على لعب الحبشة بالحراب في مسجد رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حتى سئمت .
وهو القائل صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتـين جاء يوم القيـامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه أي متساويين أو متجاورين .
رفض أن يعزل إلا بموافقة المرأة ، فليس من حق الرجل أن يتخذ هذا القرار بمفرده، ولا له أن يتصـور المرأة مجرد أداة لإشباع رغبته الجنسية ، وليس ثمّة إهانة لامرأة أكبر من رجل لا يريدها أن تحمل منه وهي تريد .
قال :[ الدنيا متاع .. وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ] وقال : [ إن أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي اإليه ثم ينشر سرها] .
صلى الله عليه وسلم.
بيت الداعية
زينب الغزالي
لا أكاد أجلس في مجلس يجمعني بالأخوات المسلمات المتزوجات العاملات في حقل الدعوة ، أو زوجات العاملين في هذا الميدان ، إلا وتحاصرني نفـس الشكوى التي تتردد على مسامعي كثيراً منذ زمن طويل ، وهي أن الأزواج والآباء العـاملين في حقل الدعوة إلى الله مشغولون دائماً ، ولا يعطون البيت حقه من الرعاية والعناية والاهتمام ، فأغلب أوقات الداعية تكون خـارج بيته ، والوقت الذي يقضيـه في البيت إما للراحة أو لاستقبال الضيوف ، أو لتناول الطعام حتى أصبح البيت وكأنه فندق للراحة فقط .
وإذا كان الحال كذلك ، فمن الطبيعي أن تشكو الأخوات، وأن تبحث كل واحدة عن حل ، فالبيت يحتاج الرجل والمرأة ، ولا يكفي أحدهما أن يقوم بمهمة الآخـر ، - مهما أوتي من قدرات ومهارات - والزوجة نفسـها لا تستطيع أن تدبر أمورها بعيداً عن زوجها ، كما أن الـزوج لا يستطيع أن يمارس حياته الطبيعية دون رعاية زوجته له ، ولذلك لا بد أن يعطي الداعية جزءًا رئيسياً من وقته لبيـته ولأولاده ولأهله .
إن الداعية الناجح هو الذي يوازن بين ميدانه في خارج البيـت وفي داخله ، فإذا نجح في بيته كان أقرب إلى النجـاح في عمله كله ، إن بعضـنا يتصور أن عمله خارج بيته ، وفي الميدان العام أهم وأولى ، خصـوصاً في هذه الظروف التي تمر بها الأمة ، ولكن كيف يكون أداء الداعية إذا تعرض لأزمة في بيته ؟ وكيف يؤثر في الناس إذا لم يكن بيته صورة لما يدعو إليه ؟!
إن من حق الزوجة والأبناء أن تحيط بهم رعاية الأب وحنانه وعطفه وحزمه ، كما أن من واجب الزوجة أن تعين زوجـها على أداء رسالته في الدعوة ، وأن توفر له أسباب نجاحه وقربه من الله ، وعندما يحدث التوازن في بيت الداعية لن أسمع هذه الشكوى ثانية .
غياب الزوج
زينب الغزالي
المصاعب والمتاعب الاقتصادية التي تمر بها مجتمعاتنا، تدفع بالكثيرين من الأزواج إلى البحث عن مصدر أوسع للرزق ، من خلال العمل في بـلاد ودول أخـرى غير بلادهم ومجتمعاتهم ، ويضطـر الكثيرون إلى السفر والاغتراب سنوات وسنوات، مما يتسبب في مشـكلات أسرية واجتماعية كثيرة .. وأعجب أشد العجب عندما أسمع أن أسـرة غاب عائلها منذ خمس سنوات ، أو عشر ، وربما أكثر من ذلك ، وكل هم الزوج جمع المال والإنفاق على الأسرة ، والأولاد ، وتوفير الرعاية المادية دون النظر إلى خطورة غيابه عن الأسرة سواء من الناحية الاجتماعية أو الناحية التربوية والنفسية بالنسبة للزوجة والأولاد .
إن توفير المطالب المادية للأسـرة ، لا يمكن أن يكون بديلاً عن المطالب النفسية والجوانب التربوية ، وغياب الأب عن الأسرة يؤدي إلى متاعب يصعب علاجها، منها إحسـاس الأبناء بعدم وجود من يرعى سلوكياتهم ، أو يراقب تصـرفاتهم خصوصاً في مرحلة المراهقة والشباب ، وربما يندفع بعضهم إلى الانحراف والضياع، والأم لا تستطيع وحدها أن تقود السفينة وتربي الأبنـاء تربية سليمة ، وربما ينشأ إحساس لدى الأبناء، أن الأب وظيفته الأساسية بالنسبة لهم هي جمع المال والإنفاق ببذخ عليهم ، دون أن يحاسبهم أو يوجههم .
إن الزوجة تحتاج إلى زوجها .. إلى رعايته وحنانه ، ولا يمكن أن يحـرص الزوج المغترب على اصطحاب أسرته معه في غربته .. فإن لم يستطع فعليه أن يحرص على زيارتها مرة كل نصف سنة، أو أقل من ذلك ، حتى يتيسر له العودة إلى بلده نهائياً.
والزوجة العاقلة هي التي لا ترهق زوجها بمتطلبات الحياة وكمالياتها ، وتحرص على الإنفاق الرشيد ، لأن مرارة الغربة يدفع ثمنها الزوج والزوجة والأولاد، والحساب النهائي للغربة يصب في خانة الخسارة أكثر منه في خانة الأرباح .
عزيزي الزوج:
متي سابقت زوجك آخر مرة ؟
محمد رشيد العويد
أجل متى سابقت زوجتك آخر مرة ؟
إذا أحببت أن تبـتسم ساخـراً ، أو تبتسم ضاحكاً ، أو تبتسم مستنكراً .. فإن السؤال يبقى: لأنه دعوة لك لتطبيق سنة من سنن المصطفى في إحسانه إلى زوجاته
فإذا كنت تقتفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللحية ، واستعمال السواك ، وتقصير الثوب.. فإنك مدعو أيضاً إلى اقتفاء سنته صلى الله عليه وسلم في معاملته زوجاته رضي الله تعالى عنهن .
لا بل إن رِفقه - عليه الصلاة والسلام - بنسائه ، ورحمته بهن ، وصبره عليهن ليس سنة فحسب ، بل هو فرض واجب أكدته آيات كثيرة في القرآن الكريم ، مثل قوله تعإلى : ( وعاشروهن بالمعروف ) ،ومسابقتك زوجتك من هذه المعاشرة بالمعروف ، ومن سنن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاطفته نساءه ، ورفقه بهن.
قالت أم المؤمنـين عائشة رضي الله عنها إنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ( صغيرة ) ، قالت : " لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ".
فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا ، فقال تعالي أسابقك ! فسابقته فسبقته على رِجلَيّ .
فلما كان بعد - وفي رواية - فسـكت عني ، حتى إذا حملت اللـحم ، وبدنت، ونسيت ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا. ثم قال: تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم ، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله ، وأنا على هذه الحال ؟ فقال: لتفعلن. فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة .
وقد يتعلل بعض الأزواج - في اعتذارهم عن مسابقة زوجته - بكثرة الانشغال ، وزيادة الأعباء ، وتعدد المسؤوليات . فنرد عليه بالقول: لن تكون أكثر انشغالاً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمل رسالة الله تعالى يعلمها الناس ويقود الغزوات، ويؤدي حقوقاً مختلفة نحو أهله وبيته .. ومع هذا لم يمنعه هذا من مسـابقة السيدة عائشة مرتين .
وقد يعتذر غيره بأن الشوارع ليست مكاناً ملائماً للمسابقة .. فنقول له: لن تعدم فرصة خروج مع زوجتك إلى البر.. تبتعدان فيها عن أعين الناس .. ثم لماذا تقصر المسابقة على الجري ؟ لماذا لا تسابق زوجتك في البيت في لعبة إلكترونية مباحة .. أو في مبارزة ثقافية مفيدة.. فتسألها وتسألك.. وتسجلان الدرجات لكل من يجيب إجابة صحيحة .
وقد يرى زوج ثالث أن مثل هذه المسابقات تذهب برجولته، وتنزع المهابة من قلب زوجته، ومن ثم لا تطيعه فيما يأمرها به، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وفعلُه سنة يُقتدى بها ، والاقتـداء بسنته مع زوجاته لا يمكن أن يأتي إلا بخير . وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة في العلاقات الزوجية ، حين بينت بأن ملاطفة الزوجة وملاعبتها يجعلها أقرب إلى طاعة الزوج ، ويسلس قيادها له .
والآن .. ماذا يحمل هذا الحديث الشريف الذي نقلت فيه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؟
أولاً : الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أم المؤمنين السيدة عائشة إلى مسابقته في المرتين.. وهذا توجيه للرجل بأن المبادرة إلى أمثال تلك المسابقات يحسن أن تصدر عنه ، فالزوجة قد تخشى صد زوجها ، وقد يشغلها عملها عن المبادرة .. إضافة إلى أن ما طبعها الله تعالى عليه يجعلها تستحي من عرض المسابقة على زوجها.وإن كان هذا لا يمنع من أن تبادر الزوجة فتدعو زوجها إليها .. إن رأت استعداده النفسي وفراغ وقته .
ثانياً: يحسن ألا يظهر الزوج تفوقه الدائم على زوجته .. فيسبقها دائماً .. فقد لاحظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق السيدة عائشة في الثانية .. وسبقته في الأولى.
ثالثاً: لكن ما سبق لا يعني أن يجعل الزوج نفسه خاسراً دائماً من أجل إرضـاء زوجته .. فهذا الأمر يفقد المسابقة حقيقتها .. وينزع منها الندية .. فقد وجـدنا النبي صلى الله عليه وسلم تسبقه السيدة عائشة في المرة الأولى لأنها كانت نحيفة صغيرة ، بينما سبقـها صلى الله عليه وسلم في الثانية بعـد أن سمنت وزاد وزنها
فصار جريها أبطأ .
رابعاً : ينبغي أن ينتبه الزوج إلى أن هذه المسابقة يجب أن تبقى في إطـار المودة والمرح ، فلا غضب ولا هياج ، حتى لا تنقلب إلى الشجار ، فتحقق عكس الغاية المرجوة منها .
وهذا ما يوجهـنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونفهمه من قول السيدة عائشة رضي الله عنها : " فجعل يضحك صلى الله عليه وسلم " .
زوجاتنا في البيوت
وفيه بيان لحقوق الزوجة على زوجها
د. مصطفى السباعي
حديثنا اليوم عن حقوق الزوجة على زوجها ، ويحسن أن أشير قبل البدء بالحديث إلى أننا كنا منذ عشرين سنة نشـكو من قسوة الأزواج في معاملتهم لزوجاتهم ، معاملةً تقوم على التحكم والاستـبداد ، وحرمان الزوجة من أبسط الحقوق التي منحتها الشرائع لها كإنسان ذي روح حي كريم ، وإذا بنا اليوم _ وقد أفلت القيد وأفرط كثير من الأزواج في منح الحرية لزوجاتهم _ إزاء طائفتين من الأزواج تأخذ كل منها أقصى الطرف الأيمن أو الأيسر ، حتى ليجد الدارس لأخلاقنا الاجتماعية في الأسر أننا نعيش في مجتمع تتناقض مظاهر الحياة في داخل بيوته ، ومن إفراط في حرمان الزوجة أبسط مبادئ الحرية التي شرعها الإسلام إلى إفراط في منح الزوجة فوق مبادئ الحرية المتزنة التي تسمح بها الشرائع والمبادئ الأخلاقية الكريمة .
ونحن بين فئتين : فئة متزمتة لا ترى للزوجة حقاً في أن تتكلم ، أو تخرج من بيتها لنزهة أو سيارة ، وفئة متحررة تطلق العنان لزوجاتها أن يختلطن في المجتمعات التي تتحدث فيها الشهوات والأهواء والنزوات الخفـيّة بلغة أبلغ من لغة الكـلام والعبارات والسعادة الزوجية والكرامة العائلية هي في الموقف الوسط بين الموقفين المتباينين .. وقبيـحٌ في دين الله من يغالي أو يقصر في أحكامه وتعاليمه على حد سواء .
وها نحن نعرض الميزان القسط ، والحدود الفاصلة بين الخير والشر ، والحسـن والقبح ، في حقوق الزوجة على زوجها كما يقررها الاسلام دين الله الذي جاء لإسعاد الناس جميعاً.
1. فمن أول حقوق الزوجة على زوجها : أن ينظر إليها على أنها سكن له تركن إليها نفسه ، وتكمل في جوارها طمأنينته ، وترتبط بالحياة الكريمة معها سعادته أو شقاوته، فهي ليست أداة للزينة ولا مطيَّة للشهوة ولا غرضاً للنسل ، فحسب بل إنها تكملة روحية للزوج ، يكـون بدونها عارياً من الفضـائل النفسية ، فقيراً من بواعث الاستقرار والطمأنينة ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم حين يقول تعالى :
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ومودة ورحمة ) الروم:25.
فأساس كل حق للزوجة على زوجها أن يعاملها على أنها سكنُهُ الروحي والنفسي، وعلى أنه قد ارتبط معها برباط عميق من المودة والرحمة هو أوثق من رابطة العقد القانوني ، الذي يلزمه نحوها بوجائب مالية أو حقوق مادية .
وحين ينظر الزوج إلى زوجته بهذا المنظار الجميل يزول من طريق الحياة الزوجية كل ما يشوبها من أشواك وعثرات ، ويكون الافتراق فيها، عن طريق الطلاق أو الهجر، انتزاعاً للحياة من جسمي الزوج والزوجة على السواء .
في الحياة الزوجية التي لا يغيب فيها عن الزوج _ أبداً _ حاجته الروحية والنفسية والقلبية إلى زوجه لا يقع الطلاق ، وإن أبيح ، ولا يحصل التعدد ، وإن شرع ،ولا يقف الزوجان أمام القضاء ، وإن اختلفا في البيت ، ولا يبغي أحدهما على الآخر في حقه ما دام هذا المعنى أساس الحقوق الزوجية كلها .
2. ومن حقوق الزوجة على زوجها : أن ينفق عليها بالمعروف ، فيوفر لها المسكن الصالح ، الذي تصان فيه حرمة الزوجة وصحتها وكرامتها، واللباس الصالح الذي يصونها من الابتذال ، ويدفع عنها أذى الحر والبرد ، ويعتاده أمثالها من قريبات أو جارات ، والطعام الصالح الذي يغذي الجسم ويدفع المرض ، ويأكله الناس عادة من غير سرف ولا تقتير ، وكل ذلك في حدود الاستطاعة المالية للزوج ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة:286 . ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) أما أن تطلب الزوجة من النفقة أكثر مما تحتاج ، وفوق ما يطيق الزوج ، فهذا عنت وإرهاق يعرض العائلة للفقر والحرمان ، لا تلجأ إليه زوجة عاقلة تريد أن تعيش في بيت الزوجية مكرمة هانئة مطمئنة ، وأما أن يقصّر الزوج عن الإنفاق على زوجته في الحدود التي تحتاجها كرامة الزوجية وسعادة الأسرة - وهو قادر على ذلك - فهذا بخل يمقته الله ، وتكرهه المروءة ، وسبب كبـير من أسباب انحراف الزوجـة وشقائها ، وأشد من هذا مقتاً وكرهاً أن يضن الزوج على زوجته بالنفقة الواجبة ، بينما هو يجود بماله على رفقاء السوء ، وفي الليالي الحمراء ، وعلى الموائد الخضراء، كما يقع كثيراً ممن لا خلاق لهم ولا مروءة .
ولقد رأينا بأعيننا بيوتَ أمثالِ هؤلاء الأزواج يخيم عليها البؤس ، ويجثم فـوق صدور أفرادها الشقاء . ومن ابتليت بمثل هذا الزوج فصـبرت وعفَّت كانت في طليعة المجاهدين عند الله أجراً وثواباً، فحسبها أنها قد بذلت راحتها وقلبها في سبيل المحافظة على أبنائها وسمعتها وشرفها .. ولو كانت حدود الله تقام في المجتمع للنكِّل بهذا الزوج الآثم أشد النكال ، وحسبه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ] . رواه أبو داود وغيره.
3. ومن واجبات الزوجة على زوجها: أن يعلمها واجباتها الدينية ، ويرشدها إلى ما تحتاج إلى معرفته من دين ، أو ثقافة ، أو خلق كريم .. ولئن كان ذلك حقاً من حقوق الزوجة فانه في الواقع في مصلحة الزوج نفسه ، فإن الزوجة التي تقف بين يدي الله خاشعة عابدة ، تكون من أبرِّ الزوجات بزوجها ، وأحنى الأمهات على أولادها ، وأسعد النساء في بيتها وأسرتها ، ولذلك أباح الإسلام للمرأة التي يأبى زوجها أن يعلمها ما تحتاج إليه من أحكام الشريعة أن تخرج لتسأل أهل العلم بدين الله عن ذلك ؛ فإنها - هي وزوجها - أحوج إلى هذا من سعيها وسعيه للطعام والشراب ، والمرأة شديدة التأثر بسلوك زوجها الديني ، فإن رأت منه حرصاً على ستر أو عفة أو عبادة ، بادرت إلى ذلك - استجابة لعاطفتها، وإرضاء لزوجها - وإن رأت منه تشجيعاً على الانفـلات من أحكام الدين وآداب الأسرة لم تجد بُدًّا آخر الأمر من أن تستجيب له وتفعل ما يرضيه .. وكم رأينا زوجات خرجن من بيوت آبائهن إلى بيوت الزوجية عفيفات محتشمات عابدات ، فما لبثن غير قليل حتى انحرفن عن ذلك كله بتأثير الزوج وانحرافه وجهالته .. وقـد جعل الله وقاية الزوجة من النـار أمانة في عنق الزوج حين قال : ( يأيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم نارًا ) . التحريم: 6 .
فليتق الله الأزواج في دين زوجاتهن وأخلاقهن وحشمتـهن ، فانهم مسؤولون عن ذلك بين يدي الله ، يوم لا ينفع المفرطين في مثل ذلك ندمٌ ولا اعتذار .
4. ومن حقوق الزوجة أن يغار الزوج عليها ؛ فلا يعرضها للشبهة ، ولا يتساهل معها في كل ما يؤذي شرفَ الأسرة ، أو يعرضها لألسنة السوء ، والتسـاهل في هذا قبيح لا يعد من مكارم الأخلاق في شيء، ولا يعد من إكرام المرأة أو احترامها لما يجره هذا التسامح من شقاءٍ لها ولزوجها وأولادها ، وما زال الناس في مختلف البيئات تتأثر سمعتهم وكرامتهم بسلوك الزوجات، فمن أغضى عن زوجته - وهو يرى أو يسمع عنها ما يشين - فقد أخرج نفسه من زمرة الرجال الذين لهم حرمة في النفوس ومنزلة عند الله . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ أتعجبون من غيرة سعد - أحد الصحابة -؟ أنا والله أغير منه ، والله أغير مني ] ، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوجة للزبير بين العوام _ وكان في بدء أمره فقيراً _ تنقل النوى على رأٍسها من مسافة بعيدة لتعلف به بعيره . فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهي تحمل النوى ؛ فأحب أن يركبها معه على بعيره ، فرغبت في ذلك ، ولكنها تذكرت غيرة زوجها الزبير فأعرضت واعتذرت ، ثم حدثت بذلك زوجها حين قدم البيت فقال لها : والله لحملك النوى على رأسك
أهون على من ركوبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ! إنما قال ذلك لفرط غيرته ، ولم ينكر عليه رسول الله وهو المأمون الحبيب ذو الخلق العظيم ...
والغيرة المحمودة هي ما كانت في محلها وفي حدود الاعتدال .. أما ما جاوز الحـد وكان ظناً باطـلاً لا أساس له إلا وسوسة الشيطان ، فهو من الغيرة المكروهة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [ إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل ، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة ] وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك ، أي بغير داعٍ إلى ذلك ، فتُرمى امرأتك بالسوء من أجلك وكم رأينا من جنايات الغيرة المبغوضة على العائلة وسمعتها ما أدى إلى كثير من الجرائم .
5. ومن حق الزوجة على زوجها : أن ينبسط معها في البيت ، فيهش للقائها ، ويستمتع إلى حديثها ، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها ، وإيناساً لها في وحدتها ، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه، وقربها من قلبه.. وقد يظن بعض الجاهلين المتزمتين أنّ مداعبة الزوجة وممازحتها مما يتنافى مع الورع أو الوقار أو الهيبة التي يجب أن تستشعرها الزوجة نحو زوجها، وهذا خطأ فاحش، ودليل على غلظ الطبع وقسوة القلب وجهل الشريعة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو العابد الخاشع ، والقائد الحاكم - من أفكه الناس مع زوجاته ، وأحسنهم خلقاً ، كان يمزح معهن بما يدخل السرور إلى قلوبهن ، ويقص لهن القصص ، ويستمع إلى قصصهن .. ومن المعروف في سيرته عليه السلام أنه كان يسابق عائشة رضي الله عنها، وكان يريها اللعب في باحة المسجد فيضع كفه على الباب، ويمد يده وتضع وجهها على كتفه، ومن هنا قال عليه السلام: [ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله ] رواه الترمذي وغيره .
وكان مما يقول عمر ، وهو القوي الشديد ، الجاد في حكمه، المرهوب في سطوته: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي - أي في الأنس والبشر والسهولة - فإذا كان في القوم وُجد رجلا ً .
ومما يتصل بهذا : حق الزوجة في الاستمتاع بالنزهـات والرياضة ، والخلوة مع زوجها وأولادها .. فليس مما يبيحه الشرع أن يمتع الزوج نفسه كل يوم بالنزهة والرياضة في البساتين والحقول والرحلات المتتابعة ، طلباً للراحة ، واستجماماً من عناء الأعمال ثم يضن على زوجته برحلة يصطحبها معه ؛ لتأخذ حقها من الراحة والاستجمام والنشاط ، متحرجاً من ذلك، زاعماً أنه مما يتنافى مع الدين والحشمة، وإن الزوجة إنسان لها حق الأنس مع زوجها في بعض نزهاته ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن لجسمك عليك حقاً وإن لزوجتك عليك حقا". رواه البخاري ومسلم.
6. ومن حق الزوجة على زوجها أيضًا : أن يحسن خلقه معهـا فيكلمها برفق ، ويتجاوز عن بعض الهفوات ، ويقدم لها النصح بلين تبدو فيه المودة والرحمة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقاً ، الموطؤون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون ] رواه الترمذي .. وإذا كان حسـن الخلق مع الناس مرغوباً فيه ، وهو مقياس القرب من الله أو البعد منه، فكيف بحسن الخلق مع الزوجة ، وهي ألصق الناس بالزوج، وأشدهم حاجة إلى مودته وحسن معاملته.
تلك هي أهم حقوق الزوجة على زوجها . وهنالك حقوق مشتركة تطلب من كل من الزوج والزوجة معاً ، فأولها أن يتحمل كل منهما أذى صاحبه .. فالإنسان غير معصوم ، وليس من الناس من لا يخطئ .. فليتحمل الزوج من زوجته بعض الأذى، ولتتحمل الزوجـة من زوجها بعض القسوة .. وقد خاطب الله الأزواج وأمرهم باحتمال المكروه من زوجاتهم فقال تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) النساء: 18 . ومن الواجب أن يذكر الزوج أنه أقدر على تحمل الأذى من زوجته، فالمرأة عاطفية سريعة الإنفعال، كثيرة النسيان لجميل الزوج كما قال عنـها رسول صلى الله عليه وسلم : [ لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط] وهي طبيعة غالبة في النساء، فلا تثر ثائرة الزوج لأقل خطيئة تبدر منها، ولا يسارع إلى الغضب حين تنكر زوجته في حالة الغضب فضله أو حسن معاملته ، وقليل من ضبط الأعصاب _ حين تقع الخصومة _ يدفع عن الأسرة كثيراً من الشر والشقاء.
ومن الواجبات المشتركة: أن يشعر كل من الزوج والزوجـة بالمسؤولية المشتركة نحو البيت والأسرة .. أي أن يشعرا أن عليهما معـاً أن يسعداً أنفسهما وأولادهما متعاونين على بأساء الحياة وسرائها . فلا يصح ألا يفكر الزوج في راحة الزوجة في البيت وأعمالها وعنائها ، وأن يكون همه فقط أن توفَّر له الراحة ولو على حساب الزوجة والأولاد.. ولا يصح ألا تفكر المرأة في عمل زوجها وفي نفقات البيت حتى لا يكون همها إلا أن توفر لنفسها الراحة أو النفقات على حساب الزوج .
أيها الأزواج والزوجات : إن التكافل العائلي بين الزوج والزوجة هو مقياس رقي الأخلاق الاجتماعية للأمة ، ذاك أنهما الحجر الأساسي في بنائها المتماسك القوي.. ويوم يشعر الزوج والزوجة أنهما مسؤولان معاً أمام الله والتاريخ عن سعادة البيت والأولاد، يومئذ تكون بيوتنا مصانع لتخريج الرجال، وجنات تتفيأ منها الظلال .. لنذكر جميعاً قول رسول صلى الله عليه وسلم : [ كلم راع وكلكم مسـؤول عن رعيته... والرجـل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعيـة في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته ] . رواه البخاري ومسلم.
من كتاب : أخلاقنا الاجتماعية
كيف تكسب زوجتك ؟
للزوج:
التعامل مع الزوجة
· أوفر لها الراحة في كل الظروف الحياتية.
· لا أظهر عيوبها في الملابس أو الطعام أو الكلام بشكل مباشر .
· اشتري لها هدية بين حين وآخر، وابتكر في تسليم الهدية لها كأن تخفيها في مكان وتدعوها إليه .
· لا أكون متعنفاً في التعامل معها ، وأتذكر أنها امرأة ( فرفقاً بالقوارير ) .
· إذا كانت لديها هواية أشجعها عليها وأشاركها في إبداء الرأي ، ولا أقول أنا لا أفهم في الطبخ أو الزراعة أو الخياطة أو الكمبيوتر ) .
· أراعيها في بعض حالاتها النفسية ، وخصوصها في وقت الدورة الشهرية والحمل والنفاس.
· إذا دخلت المنزل فلا أفكر بعملي أتحدث معها باهتماماتها وأحوالها اليومية .
· أناديها باسم مميز أتحبب به اليها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة رضي الله عنها بـ ( عائش ) .
· أقبل رأسها إذا بذلت مجهوداً من أجلي أو عند دخولي المنزل .
· أشجعها على حضور بعض الدروس الدينية والبرامج والأنشطة الإسلامية والثقافية .
· أفاجئها ببعض الطلبات التي كنت ارفضها وأحضرها لها .
· إذا أهدتني هدية أنقل لها رأي أصدقائي فيها .
الزينة:
· أزين ألفاظي عند ندائها أو عند الحديث معها ، ولا أعاملها كما يعامل الرئيس مرؤوسه بالأوامر فقط .
· أتخذ الزينة في لبابسي فإن ذلك محبب إليها .
· أحاول قول الشعر فيها أو النشيد في وصفها .
· أتغزَّل بها بين حين وآخر سواء كان الغزل قولاً أو فعلاً .
· امتدح زينتها إن تزينت وأبالغ في المدح .
· امتدح رائحة المنشفة ، وطريقة ترتيب الفراش ، ووضع الملابس وتطييبها ، وتنسيق الزهور وكل ما لامسته يدها .
الطعام :
· أمدح الطعام أو الشراب الذي أعدته ، وأبين مزاياه ، ومدى رغبتي إلى هذه الوجبة ، وأنها كانت في خاطري منذ يوم أو يومين .
· أحرص على ألا آكل أبداً حتى تحضر إلى المائدة فنأكل معاً .
· أعلم الأبناء ألا يتقدموا على والدتهم في الطعام .
· أساعدها في تجهيز المنزل إذا كانت لديها وليمة .
· إذا أعدت طعاماً لأصدقائي أنقل لها مدحهم للطعام بالتفصيل .
الخدمة :
· إذا دخلت المنزل ووجدتها مشغولة ، أخفف عنها بعض أشغالها حتى أزيل عنها الهمَّ في ذلك (وخيركم خيركم لأهله) ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
· أساعدها أثناء الطبخ أو تنظيف المنزل .
· أسألها بين فترة وأخرى عن حاجاتها المنزلية .
· القيام بمتطلبات الأطفال ليلاً .
· أفرق في معاملتي المالية معها بين ظروف الحياة اليومية العادية وبين المناسبات والمواسم فلا بد أن أفتح يدي عليها بالإكرام في المناسبات وأحياناً في بعض الأيام لتتجدد الحياة بيننا .
أهل الزوجة:
· أساعدهم ، وبالأخص إذا وقعوا في مشكلة .
· لا أمنعها من صلة أرحامها وزيارة والديها .
· أظهر البشاشة عند زيارتهم .
· أحضر لهم هدية بين حين وآخر .
· إذا غضب أهلها عليها أرد عليهم بكلمات طيبة ملطفة للجو ومهدئة لها .
· أمدحها أمام أهلها في حسن تدبيرها للمنزل وتربية أولادها .
· أكون علاقة طيبة مع إخوانها .
مرض الزوجة:
· أهتم بها وأقبلها وأوفر لها الجو الصحي المناسب لها .
· أقوم بالأعمال المنزلية التي كانت تقوم بها .
· أعطيها هدية بعد شفائها .
· أسهر على راحتها .
· أدعو لها بالشفاء .
· أقرأ عليها القرآن وأرقيها بالأذكار المشروعة .
· أوفر لها الطعام ولا آمرها بالطبخ .
تربية الأبناء:
· أربي أبنائي على احترام والدتهم وطاعتها .
· أربيهم على تقبيل رأس أمهم .
· إذا طلب الطفل مني شيئا ً.. أقول له ماذا قالت أمك ؟ حتى لا أعارضها .
· أعاونها في تنظيف الأبناء _ أحيانًا _ فهي تغسلهم مثلاً وأنا ألبسهم ملابسهم.
· أتفق معها على أسلوب تربية الأطفال حتى لا نختلف في ذلك .
· أصحبهم معي خارج المنزل لكي تستريح والدتهم من إزعاجهم .
الإجازة :
· اجعل يومًا في الأسبوع للأسرة للخروج والزيارة ، والترفيه عن النفس والابتعاد عن روتين المنزل .
· أجتمع معها لعبادة الله كقيام الليل أو قراءة القرآن أو غيره .
· أذكرها يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له ما بين الجمعتين ).
· أسافر معها إن استطاعت ذلك .
· إذا سافرت عنها أخبرها بمشاعري تجاهلها ومكانتها في قلبي .
» سلسلة كتب الأمة » 1 - مشكلات في طريق الحياة الإسلامية » الزواج