إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
د. عائض القرني
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة] |
|
هذه آية الفرج؛ ما
قالها عبد مكروب إلا فرج الله عنه، بذلك صح الخبر. وفيها أسرار عظيمة
ورسائل مهمة، لكن لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ففي هذه الآية إقرار بالتوحيد، وإثبات للتنزيه، واعتراف بالذنب، وهي أركان
ثلاثة عليها تقوم العبودية وبها ينال ما عند الله من لطف ورحمة ورزق
وهداية، ولهذا فرج الله عن يونس عليه السلام لما قالها، ويفرج عن كل من
قالها من المؤمنين لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فركن
التوحيد في: لا إله إلا الله، وركن تقديس الرب وتنزيهه في: سبحانك، وركن
الاعتراف بالخطيئة في: إني كنت من الظالمين.
فلا إله ألا أنت: اعتراف بألوهيته سبحانه وكماله وتفرده بكل وصف حسن.
وسبحانك: نفي للنقص والعيب عنه. وإني كنت من الظالمين: اعتراف من العبد
بالتقصير والخطأ.
فكأن العبد نسب كل مدح وجود إلى ربه ونزهه عن كل شين، وقدح لا يليق به، ثم
اعترف هذا العبد بظلمه وعدوانه، فكانت هذه الكلمة بحق من أغلى الكلمات
وأثمنها في ميزان العبودية.
وما من عبد إلا وتمر به كارثة، أو يلم به خطب، أو تقع عليه شدة، فإذا قال
هذه الكلمة بقلب حاضر خاشع مخبت أنقذه الله من كل ما أهمه، وفرج غمه، وأزال
حزنه وكشف كربه.
والله عز وجل في كتبه وعلى ألسنة رسله أوجب توحيده على عباده، ونزه نفسه،
وأخبر بظلم العبد وكفرانه وتمرده، فجاءت هذه الآية متضمنة هذه المعاني في
أحسن وأجمل خطاب وأزهى حلة، حتى إن بعض الصالحين كان يعكف بقلبه على هذه
الكلمة تردادا وتكرارا، فيجد من الأنس والراحة والأمن والانشراح ما يفوق
الوصف، وقد شرحها شيخ الإسلام؛ فأحسن وأجاد، ووردت في فضلها آثار، وكان
يوصي بها الصالحون من أحبوا، ويكفي في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم:
«كلمة أخي ذي النون ما قالها مكروب إلا فرج الله عنه».
فالواجب على العبد أن يعطي كل أصل من أصولها الثلاثة ما يستحق، فأصل القول
اعتقاده، والعمل بمقتضاه والتبرؤ مما يضاده. وأصل التنزيه عدم نسبة
المشابهة والمماثلة له سبحانه بخلقه، أو وصفه بغير ما وصف به نفسه، أو
تحوير كلامه والإلحاد في أسمائه وصفاته. وأصل الاعتراف بالاقتراف تحقير
النفس، والنظر إليها بعين الازدراء والمقت، فإن هذا العمل يقطع من المسافات
- أعني احتقار النفس ونفي العجب عنها - إلى الله ما لا يقطعه صيام
الهواجر، وقيام الليالي، وهذا مراد العبودية وبابها الأكبر وسرها الأعظم،
والله أعلم.