آدم (عليه السلام)
أخبر
الله -عز وجل- ملائكته بخلق آدم -عليه السلام- فقال تعالى: {إني جاعل في
الأرض خليفة} _[البقرة: 30] فسألت الملائكة الله -عز وجل- واستفسرت عن
حكمة خلق بني الإنسان، وقد علمت الملائكة أن من الخلق من يفسد في الأرض،
ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلقهم هي عبادة الله، فهم يعبدونه،
فقالوا لله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس
لك} [البقرة: 30] فأجابهم الله -عز وجل- عن استفسارهم بأنه -سبحانه- يعلم
الحكمة التي تخفى عليهم، فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل
والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله،
والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون}
[البقرة: 30].
وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة
ثم
نفخ فيه الروح، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه
خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم
الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من
قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر
والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب)
[الترمذي].
ولما صار آدم حيًّا، ودبَّت فيه الحركة علمه الله
-سبحانه- أسماء كل شيء ومسمياته وطرائق استعماله والتعامل معه من الملائكة
والطيور والحيوانات
وغير ذلك، قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] وأراد الله
-عز
وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء
التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم
صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت
العليم الحكيم } [البقرة:32].
فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه
الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند
ذلك قال الله -تعالى- للملائكة:
{ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33].
ودار
حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه
قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها
تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله
فزادوه ورحمة الله..."_[متفق عليه].
وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله
الله
-عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم
كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من
نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا
ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين}
_[ص: 77-78].
فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين
لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم
المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك
منهم أجمعين} [ص:85] وذات يوم نام آدم -عليه السلام-، فلما استيقظ وجد
امرأة تجلس إلى جانبه فسألها: من أنتِ؟ قالت: امرأة، قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟
قالت: لتسكن إليَّ، ففرح بها آدم وأطلق عليها اسم حواء؛ لأنها خلقت من شيء
حي، وهو ضلع
آدم الأيسر.
وأمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن
يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛
امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا
منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}
[البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس
وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من
الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}
طه:[117-119].
وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته
الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد
وملك لا يبلى}
[طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم
لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء
إلى الشجرة وأكلا
منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟!!
لقد فوجئ آدم
وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عريانين؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل
والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من
أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله
-عز وجل- آدم وحواء
معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو
مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة
أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا:
{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
[الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها.
وعاش
آدم وحواء على الأرض، وبدءا مسيرة الحياة عليها.. ووُلد لآدم وهو على
الأرض أولاد كثيرون، فكان يؤدبهم ويربيهم، ويرشدهم إلى أن الحياة على
الأرض امتحان للإنسان وابتلاء له، وأن عليهم أن يتمسكوا بهدى الله، وأن
يحذروا من الشيطان ومن وساوسه الضَّارة.
قصة ابني آدم:
وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم حينما تقدم كل منهما بقربان إلى
الله -سبحانه- فتقبَّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان من
هذا
الابن الذي لم يتقبل الله قربانه إلا أن حسد أخاه وحقد عليه وقتله ظلمًا
وعدوانًا، قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا
فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من
المتقين . لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني
أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب
النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من
الخاسرين}
[المائدة: 27-30].
ولما قَتَلَ ابن آدم أخاه لم يعرف
كيف يواري جثمانه، فأرسل الله إليه غرابًا يحفر في الأرض؛ فعرف ابن آدم
كيف يدفن أخاه، فدفنه وهو حزين أشد الحزن لأنه لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه،
قال الله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة
أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من
النادمين}_[المائدة: 31] وظل آدم يعيش وسط أبنائه يدعوهم إلى الله،
ويعرِّفهم طريق الحق والإيمان، ويحذِّرهم من الشرك والطغيان وطاعة
الشيطان، إلى أن لقى ربه وتوفي بعد أن أتم رسالته، وترك ذريته يعمرون
الأرض ويخلفونه فيها.
وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في رحلة المعراج
مَرَّ بآدم -عليه السلام- في السماء الأولى، وقيل له: هذا أبوك آدم فسلِّمْ
عليه،
فسلم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وردَّ آدم -عليه السلام- على النبي
-صلى الله عليه وسلم- السلام، وقال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي
الصالح)_[متفق عليه].
ويخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يوم القيامة يذهبون إلى
آدم
-عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك
من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟
ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ ولكن آدم -عليه السلام- يتذكر أكله من
الشجرة فيستحي من الله، ويطلب من الناس أن يذهبوا إلى غيره من الأنبياء.
[البخاري].
_________________________--
إسماعيل
كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما
يريده
زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب
له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه، وأنجبت له
إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن
يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى
وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم
تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر
عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب
وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم
-عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال
نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت
هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت.
وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك
زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها
إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي
زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم
وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام،
وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها
إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن
الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش.
وأخذت
هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا
ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام
أو
الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته
وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها
لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها
تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا
سبع مرات.
وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا
لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو
اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم }
[البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها
دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه-
فنزل الملك
جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر
زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها،
وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي
فجرها لها.
ومرت
أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت
طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا
نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في
هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها
فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها
وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية
حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار
يسعى في مصالحه لمساعدة أمه.
وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر
وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في
منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه،
علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم
إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}
[الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من
الصابرين} [الصافات:102]..
وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى
مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة،
واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل
ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا
إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين}
[الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل
-عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل.
لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل،
فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى
إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا
للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله
وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم
بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج
امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم.
وذات يوم زار
إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت
لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا،
فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء
زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد
اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك
شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت:
قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال
لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد
أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها.
ومرت
فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد
زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج
يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح
إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له
مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما
حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك.
[البخاري].
وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله
-عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما
رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم
لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به
ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال
إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق
إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا
البيت، وكان
إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل
بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر
الأسود.
وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء
الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا
واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك
أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل
-عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة،
وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان
صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند
ربه مرضيًّا} [مريم:54-55].
وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي
سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا
بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن
له مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح
والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط}
[النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي
-صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل
فإن أباكم كان راميًا) [البخاري].
وإسماعيل -عليه السلام- هو جد
النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله
اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني
هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
KABTEN
المــدير العـــام
عدد المشاركات: 1208
الجنس:
الهواية :
نقاط النشاط: 7802
دعائي:
موضوع: رد: قصص اسلامية الخميس يناير 07, 2010 7:46 am
لوط
هاجر
لوط مع عمه إبراهيم -عليه السلام- إلى مصر، ومكثا فيها مدة من الزمن ثم
عادا إلى فلسطين، وفي الطريق، استأذن لوط عمه إبراهيم، ليذهب إلى أرض سدوم
(بجوار البحر الميت في بلاد الأردن الآن) حيث اختار الله لوطًا
ليكون نبيًّا إلى أهل هذه الأرض، فأذن له إبراهيم وذهب لوط إلى سدوم
وتزوج هناك.
وكانت
أخلاق أهل تلك البلدة سيئة، فكانوا لا يتعففون عن فعل المعصية، ولا
يستحيون من المنكر، ويخونون الرفيق، ويقطعون الطريق، وفوق هذا كانوا
يفعلون فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين؛ فكانوا يأتون الرجال شهوة
من دون النساء، وأخذ لوط -عليه السلام- يدعو أهل سدوم إلى الإيمان وترك
الفاحشة، فقال لهم: {ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون
وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتأتون الذكران من
العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}
[الشعراء: 161-166].
لكن قوم لوط لم يستجيبوا له، وتكبروا عليه،
وسخروا منه، فلم ييأس لوط وظل صابرًا على قومه يدعوهم في حكمة وأدب إلى
عبادة الله وحده، وينهاهم ويحذرهم أشد التحذير من إتيان المحرمات وفعل
الفواحش والمنكرات، ومع هذا لم يؤمن به أحد واستمر الناس في ضلالهم
وطغيانهم وفجورهم، وقالوا له بقلوب قاسية: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من
الصادقين} [العنكبوت:29] وهددوه بطرده من القرية لأنه كان غريبًا في قومه،
فغضب لوط من قومه وابتعد عنهم هو ومن آمن به من أهل بيته إلا زوجته، فقد
كفرت وانحازت إلى قومها وشاركتهم في مضايقته والاستهزاء به، وضرب الله بها
مثلاً في الكفر، فقال تعالى:
{ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح
وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما
من الله شيئًا وقيل ادخلا
النار مع الداخلين} [التحريم:10] وخيانة امرأة لوط هي كفرها
وعدم إيمانها بالله.
وأرسل
الله ثلاثة من الملائكة على صورة ثلاثة رجال هيئتهم حسنة، فمروا على
إبراهيم ، فظن إبراهيم أنهم بشر فقام على الفور وذبح لهم عجلاً سمينًا
لكنهم لم يأكلوا منه، وبشرت الملائكة إبراهيم بأن الله -سبحانه- سوف يرزقه
بولد من زوجته سارة هو إسحاق، ثم أخبرته الملائكة أنهم ذاهبون إلى قرية
سدوم لتعذيب أهلها وعقابهم على كفرهم ومعاصيهم، فأخبرهم إبراهيم بوجود لوط
في هذه القرية، فطمأنته الملائكة بأن الله سينجيه وأهله إلا زوجته لأنها
كفرت بالله.
وخرجت الملائكة من عند إبراهيم وتوجهوا إلى قرية سدوم،
فوصلوا إلى بيت لوط وكانوا في صورة شبان حسان، فلما رآهم لوط خاف عليهم،
ولم يعلم أحد بقدومهم إلا آل لوط، فخرجت امرأته وأخبرت قومها وقالت: إن في
بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط، فجاء القوم يسرعون إلى بيت لوط
يبغون الفاحشة مع هؤلاء الضيوف، واجتمع قوم لوط وازدحموا عند باب بيته وهم
ينادون بصوت عالٍ يطلبوا من لوط أن يخرج لهم هؤلاء الضيوف، وكل منهم يمني
نفسه بالمتعة والشهوة الحرام مع هؤلاء الرجال، فمنعهم لوط من دخول البيت
ومن الهجوم والاعتداء على ضيوفه، وقال لهم: {إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون .
واتقوا الله ولا تخزون} [الحجر:68-69] وأخذ يذكرهم بأن الله خلق النساء
لقضاء شهوة الرجال فهن أزكى لهم وأطيب، ولكن قوم لوط أصروا على الدخول،
ولم يجد لوط من بينهم رجلاً عاقلاً يبين لهم ما هم فيه من الخطأ وأحس لوط
بضعفه أمام هؤلاء القوم، فقال: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}
[هود:80].
وعندئذ كشف الضيوف عن حقيقتهم، وأخبروا لوطًا بأنهم ليسوا
بشرًا وإنما هم ملائكة من السماء جاءوا لتعذيب هؤلاء القوم الفاسقين، وما
هي إلا لحظات حتى اقتحم قوم لوط البيت على الملائكة فأشار أحد الملائكة،
بيده ناحيتهم ففقد القوم أبصارهم وراحوا يتخبطون بين الجدران، ثم طلبت
الملائكة من لوط أن يرحل مع أهله عندما يقبل الليل لأن العذاب سينزل على
قومه في
الصباح، ونصحوه ألا يلتفت هو ولا أحد من أهله خلفهم عندما ينزل العذاب حتى لا يصيبهم.
وفي
الليل خرج لوط وابنتاه وتركوا القرية، وما إن غادروها حتى انشق الصباح
فأرسل الله العذاب الشديد على قرية سدوم، فاهتزت القرية هزة عنيفة وتزلزلت
الأرض، واقتلع مَلَكٌ بطرف جناحه القرية بما فيها وارتفع بها حتى سمع أهل
السماء نباح كلابها ثم انقلبت القرية رأسًا على عقب، وجعل الله عاليها
سافلها وأمطر عليهم من السماء حجارة ملتهبة تحرقهم، وأحاط بهم دخان خانق
يشوي وجوههم وأجسامهم.
قال تعالى: {فلما جاءنا أمرنا جعلنا عاليها
سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود . مسومة عند ربك وما هي من
الظالمين ببعيد} [هود:82-83] ونجَّى الله لوطاً وابنتيه برحمة منه سبحانه،
لأنهم حفظوا العهد، وشكروا النعمة وعبدوا الله الواحد الأحد وكانوا خير
مثال للعفة والطهارة، وأصبحت قرية سدوم عبرة وعظة لكل الأجيال القادمة،
قال تعالى: {وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم} [الذاريات:37].
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
KABTEN
المــدير العـــام
عدد المشاركات: 1208
الجنس:
الهواية :
نقاط النشاط: 7802
دعائي:
موضوع: رد: قصص اسلامية الخميس يناير 07, 2010 7:47 am
صالح
في
منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام، والتي تسمى الآن (بمدائن صالح)
كانت تعيش قبيلة مشهورة تسمى ثمود، يرجع أصلها إلى سام بن نوح، وكانت لهم
حضارة عمرانية واضحة المعالم، فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا، يسكنون
فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم من حين لآخر
واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف.
وأنعم الله -عز وجل-
عليهم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب
الغزير، والحدائق والنخيل، والزروع والثمار، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود
والنكران، فكفروا بالله -سبحانه- ولم يشكروه على نعمه وعبدوا الأصنام،
وجعلوها شريكة لله، وقدَّموا إليها القرابين، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا
لها، وأخذوا يدعونها، فأراد الله هدايتهم، فأرسل إليهم نبيًّا منهم، هو
صالح -عليه السلام- وكان رجلاً كريمًا تقيًّا محبوبًا لديهم.
وبدأ
صالح يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك ما هم فيه من عبادة
الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:73]
فرفض قومه ذلك، وقالوا له: يا صالح قد كنت بيننا رجلا فاضلاً كريمًا
محبوبًا نستشيرك في جميع أمورنا لعلمك وعقلك وصدقك، فماذا حدث لك؟! وقال
رجل من القوم: يا صالح ما الذي دعاك لأن تأمرنا أن نترك ديننا الذي وجدنا
عليه آباءنا وأجدادنا، ونتبع دينًا جديدًا ؟! وقال آخر: يا صالح قد خاب
رجاؤنا فيك، وصِرْتَ في رأينا رجلا مختلَّ التفكير.
كل هذه الاتهامات
وجهت لنبي الله صالح -عليه السلام- فلم يقابل إساءتهم له بإساءة مثلها،
ولم ييأس من استهزائهم به وعدم استجابتهم له، بل ظل يتمسك بدين الله رغم
كلامهم، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويذكِّرهم بما حدث للأمم
التي قبلهم، وما حلَّ بهم من العذاب بسبب كفرهم وعنادهم، فقال لهم:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها
قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض
مفسدين} [الأعراف: 74] ثم أخذ صالح يذكِّرهم بنعم الله عليهم، فقال لهم:
{أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخيل طلعها هضيم}
[الشعراء:146-148].
ثم أراد أن يبين لهم الطريق الصحيح لعبادة الله،
وأنهم لو استغفروا الله وتابوا إليه فإن الله سيقبل توبتهم، فقال : {يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها
فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} [هود: 61] فآمنت به طائفة من
الفقراء والمساكين، وكفرت طائفة الأغنياء، واستكبروا وكذبوه، وقالوا:
{أبشرًا منا واحدًا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر . أؤلقى الذكر عليه من
بيننا بل هو كذاب أشر} [القمر: 24-25].
وحاولت الفئة الكافرة ذات يوم
أن تصرف الذين آمنوا بصالح عن دينهم وتجعلهم يشكون في رسالته، فقالوا لهم:
{أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه} _[الأعراف:75] أي: هل تأكدتم أنه رسول من
عند الله؟ فأعلنت الفئة المؤمنة تمسكها بما أُنْزِلَ على صالح وبما جاء به
من ربه، وقالوا: {إنا بما أرسل به مؤمنون} [الأعراف: 75] فأصرَّت الفئة
الكافرة على ضلالها وقالوا معلنين كفرهم وضلالهم: {إنا بالذي آمنتم به
كافرون} [الأعراف: 76] ولما رأى
صالح -عليه السلام- إصرارهم على
الضلال والكفر قال لهم: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه
رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} [هود: 63].
وكان
صالح -عليه السلام- يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة، وآدابه الرفيعة
ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويجادلهم تارة أخرى في موضع
الجدال، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق، والطريق المستقيم. ولكن
قومه
تمادوا في كفرهم، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر
الناس، وذات يوم كان صالح -عليه السلام- يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم
نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت
إلا بشر مثلنا، وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة
وآية.
فسألهم صالح -عليه السلام- عن المعجزة التي يريدونها، فأشاروا
على صخرة بجوارهم، وقالوا له: أخْرِجْ لنا من هذه الصخرة ناقة طويلة
عُشَراء، وأخذوا يصفون الناقة المطلوبة ويعددون صفاتها، حتى يعجز صالح عن
تحقيق طلبهم، فقال لهم صالح: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم؟ فقالوا له: نعم، وعاهدوه
على ذلك، فقام صالح -عليه السلام- وصلى لله -سبحانه- ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
وبعد
لحظات حدثت المعجزة، فخرجت الناقة العظيمة من الصخرة التي أشاروا إليها،
فكانت برهانًا ساطعًا، ودليلاً قويًّا على نبوة صالح، ولما رأى قوم صالح
هذه الناقة بمنظرها الهائل آمن بعض قومه، واستمر أكثرهم على كفرهم
وضلالهم، ثم أوحى الله إلى صالح أن يأمر قومه بأن لا يتعرضوا للناقة بسوء،
فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا
تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73].
واستمر الحال على هذا
وقتًا طويلاً، والناقة تشرب ماء البئر يومًا، ويشربون هم يومًا، وفي اليوم
الذي تشرب ولا يشربون كانوا يحلبونها فتعطيهم لبنًا يكفيهم جميعًا، لكن
الشيطان أغواهم، فزين لهم طريق الشر، وتجاهلوا تحذير صالح لهم فاتفقوا على
قتل الناقة، وكان عدد الذين أجمعوا على قتل الناقة تسعة أفراد، قال تعالى:
{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}
[النمل: 48]
ثم اتفقوا مع باقي القوم على تنفيذ مؤامرتهم، وقد تولى القيام بهذا الأمر
أشقاهم وأكثرهم فسادًا، وقيل اسمه قدار بن سالف..
وفي الصباح، تجمع
قوم صالح في مكان فسيح ينتظرون مرور الناقة لتنفيذ مؤامرتهم، وبعد لحظات
مرت الناقة العظيمة فتقدم أحدهم منها، وضربها بسهم حاد أصابها في ساقها،
فوقعت على الأرض، فضربها قدار بن سالف بالسيف
حتى ماتت، وعلم صالح بما فعل قومه الذين أصروا على السخرية منه
والاستهزاء به، وأوحى الله إليه أن العذاب سوف ينزل بقومه بعد
ثلاثة أيام، فقال صالح -عليه السلام- لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}
_[هود:65]
ولكن القوم كذبوه واستمروا في سخريتهم منه والاستهزاء به، ولما دخل الليل
اجتمعت الفئة الكافرة من قوم صالح، وأخذوا يتشاورون في قتل صالح، حتى
يتخلصوا منه مثلما تخلصوا من الناقة، ولكن الله -عز وجل- عَجَّلَ العذاب
لهؤلاء المفسدين التسعة، فأرسل عليهم حجارة أصابتهم وأهلكتهم..
ومرت الأيام الثلاثة، وخرج الكافرون في صباح اليوم الثالث ينتظرون ما سيحل عليهم من العذاب والنكال، وفي لحظات جاءتهم صيحة شديدة من
السماء،
وهزة عنيفة من أسفلهم، فزهقت أرواحهم، وأصبحوا في دارهم هالكين مصروعين..
قال تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون .
وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} [النمل: 52-53] وهكذا أهلك
الله
-عز وجل- قوم صالح بسبب كفرهم وعنادهم وقتلهم لناقة الله، والاستهزاء
بنبيهم صالح -عليه السلام- وعدم إيمانهم به، وبعد أن أهلك الله الكافرين
من ثمود، وقف صالح -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين ينظرون إليهم، فقال
صالح -عليه السلام- : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا
تحبون الناصحين} _[الأعراف: 79].
ولقد مرَّ النبي -صلى الله عليه
وسلم- على ديار ثمود (المعروفة الآن بمدائن صالح) وهو ذاهب إلى تبوك سنة
تسع من الهجرة، فأمر أصحابه أن يمروا عليها خاشعين خائفين، كراهة أن
يصيبهم ما أصاب أهلها، وأمرهم بعدم دخول القرية الظالمة وعدم الشرب من
مائها. [متفق عليه]._______________________
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
KABTEN
المــدير العـــام
عدد المشاركات: 1208
الجنس:
الهواية :
نقاط النشاط: 7802
دعائي:
موضوع: رد: قصص اسلامية الخميس يناير 07, 2010 7:48 am
إبراهيم (عليه السلام)
كان
آزر يعيش في أرض بابل بالعراق، يصنع الأصنام ويبيعها للناس ليعبدوها وكان
له ولد صغير اسمه (إبراهيم) وهبه الله الحكمة وآتاه الرشد منذ
الصغر،
وذات يوم دخل إبراهيم على أبيه آزر، فرآه يصنع التماثيل، فتعجب إبراهيم من
أمر هذه التماثيل، وقال في نفسه: لماذا يعبدها الناس وهي لا تسمع ولا
تنطق، ولا تضر ولا تنفع؟! وكيف تكون آلهة، والناس هم الذين يصنعونها ؟!
وصارت هذه الأسئلة تراود الفتى الصغير دون إجابة.
ولما كبر إبراهيم
وشبَّ أخذ يفكر في هذا الأمر، ويبحث عن الإله الحق الذي يستحق العبادة،
فذهب إلى الصحراء الواسعة، وجلس ينظر إلى السماء، فرأى الكواكب والنجوم،
واستنكر أن تكون هي ربه الذي يبحث عنه، لأنها مخلوقة مثله تعبد خالقها،
فتظهر بإذنه وتغيب بإذنه، وظل إبراهيم في الصحراء ينظر إلى السماء يفكر
ويتدبر عسى أن يهتدي إلى ربه وخالقه، فهداه الله -سبحانه- إلى معرفته،
وجعله نبيًّا مرسلاً إلى قومه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة
الأصنام إلى عبادة الله رب العالمين.
وأنزل الله -سبحانه- على
إبراهيم صحفًا فيها آداب ومواعظ وأحكام لهداية قومه، وتعليمهم أصول دينهم،
وتوصيتهم بوجوب طاعة الله، وإخلاص العبادة له وحده، والبعد عن كل ما
يتنافى مع مكارم الأخلاق، وعاد إبراهيم إلى بيته، وقلبه مطمئن، ولما دخل
البيت وجد أباه، فتقدم منه إبراهيم وأخذ ينصحه ويقول
له: {يا أبت لما
تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا أبت إني قد جاءني من
العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطًا سويًّا . يا أبت لا تعبد الشيطان إن
الشيطان كان للرحمن عصيًّا . يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن
فتكون للشيطان وليًّا} [مريم:42-45] فردَّ عليه أبوه غاضبًا، وقال: {أراغب
أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا} [مريم:46].
لكن
إبراهيم لم يقابل تلك القسوة بمثلها، بل صبر على جفاء أبيه، وقابله بالبر
والرحمة، وقال له: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا .
وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيًّا}
[مريم:47-48] وخرج إبراهيم من عند أبيه متوجهًا إلى المعبد، حتى يدعو
قومه إلى عبادة الله، ولما دخل عليهم وجدهم عاكفين على أصنام كثيرة،
يعبدونها ويتضرعون إليها، ويطلبون منها قضاء حوائجهم، فتقدم منهم إبراهيم،
وقال لهم: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء:52] فرد عليه
القوم وقالوا: {وجدنا آباءنا لها عابدين} [الأنبياء:53].
فوضح لهم إبراهيم أن عبادة هذه الأصنام ضلال وكفر، وأن
الله -سبحانه- الذي خلق السماوات والأرض هو المستحق للعبادة وحده فغضب قومه منه، واستكبروا وأصروا على كفرهم وعنادهم، فلمَّا وجد
إبراهيم
إصرارهم على عبادة الأصنام، خرج وهو يفكر في نفسه أن يحطم هذه الأصنام،
وكان اليوم التالي يوم عيد، فأقام القوم احتفالا كبيرًا خارج
المدينة،
وذهب إليه جميع الناس، وخرج إبراهيم وحده إلى شوارع المدينة فلم يجد فيها
أحدًا، فانتهز هذه الفرصة وأحضر فأسًا، ثم ذهب إلى المعبد الذي فيه
الأصنام دون أن يراه أحد، فوجد أصنامًا كثيرة، ورأى أمامها طعامًا كثيرًا
وضعه قومه قربانًا لها وتقربًا إليها، لكنها لم تأكل.
فأقبل إليها
إبراهيم، وتقدم منها، ثم قال لها مستهزئًا: ألا تأكلون؟! وانتظر قليلا
لعلهم يردون عليه، لكن دون جدوى، فعاد يسأل ويقول: ما لكم لا تنطقون؟! ثم
أخذ يكسر الأصنام واحدًا تلو الآخر، حتى صارت كلها حطامًا إلا صنمًا
كبيرًا تركه إبراهيم ولم يحطمه، وعلق في رقبته الفأس، ثم خرج من المعبد،
ولما عاد القوم من الاحتفال مرُّوا على المعبد، ودخلوا فيه ليشكروا الآلهة
على عيدهم وفوجئوا بأصنامهم محطمة ما عدا صنمًا واحدًا في رأسه فأس معلق،
فتساءل القوم: من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال بعض القوم: سمعنا فتى بالأمس اسمه
إبراهيم كان يسخر منها، ويتوعدها بالكيد والتحطيم، وأجمعوا أمرهم على أن
يحضروا إبراهيم ويسألوه، ويحققوا معه فيما حدث.
وفي لحظات ذهب بعض القوم وأتوا بإبراهيم إلى المعبد، ولما وقف أمامهم
سألوه: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟! فرد إبراهيم: بل فعله كبيرهم
هذا،
ثم أشار بإصبعه إلى الصنم الكبير المعلق في رقبته الفأس، ثم قال: فسألوهم
إن كانوا ينطقون، فرد عليه بعض الناس وقالوا له: يا إبراهيم أنت تعلم أن
هذه الأصنام لا تنطق ولا تسمع، فكيف تأمرنا بسؤالها؟
فانتهز إبراهيم
هذه الفرصة وقال لهم: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم
. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}
[الأنبياء: 66-67]
فسكتوا جميعًا ولم يتكلموا، ونكسوا رءوسهم من الخجل والخزي، ومع ذلك
أرادوا الانتقام منه، لأنه حطم أصنامهم، وأهان آلهتهم، فقال نفر من الناس:
ما جزاء إبراهيم، وما عقابه الذي يستحقه؟ فقالوا: {حرِّقوه وانصروا آلهتكم
إن كنتم فاعلين} [الأنبياء:68].
ثم ذهب جنود المعبد بإبراهيم إلى
الصحراء، وجمعوا الحطب والخشب من كل مكان، وأشعلوا نارًا عظيمة، وجاءوا
بآلة اسمها المنجنيق، ليقذفوا إبراهيم منها في النار، ولما جاء موعد تنفيذ
الحكم على إبراهيم، اجتمع الناس من كل مكان ليشهدوا تعذيبه، وتصاعد من
النار لهب شديد، فوقف الناس بعيدًا يشاهدون النار، ومع ذلك لم يستطيعوا
تحمل حرارته، وجاءوا بإبراهيم مقيدًا بالحبال ووضعوه في المنجنيق، ثم
قذفوه في النار، فوقع في وسطها، فقال إبراهيم: حسبي اللَّه ونعم الوكيل.
فأمر
الله النار ألا تحرق إبراهيم ولا تؤذيه، قال تعالى: {قلنا يا نار كوني
بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء:69] فأصبحت النار بردًا وسلامًا
عليه، ولم تحرق منه شيئًا سوي القيود التي قيدوه بها، وظلت النار مشتعلة
عدة أيام، وبعد أن انطفأت خرج منها إبراهيم سالـمًا، لم تؤذه، وتحدث الناس
عن تلك المعجزة وعن نجاة إبراهيم من النار، وأراد النمرود ملك البلاد أن
يناقش إبراهيم في أمر دعوته، فلما حضر إبراهيم أمام الملك سأله: من ربك؟
فقال إبراهيم مجيبًا:
{ربي الذي يحيي ويميت} [البقرة:258] فقال
الملك: {أنا أحيي وأميت} [البقرة:258] وأمر الملك الجنود أن يحضروا رجلين
من المسجونين، ثم أمر بقتل رجل وترك الآخر، ثم نظر إلى إبراهيم وقال له:
ها أنا ذا أحي وأميت، قتلت رجلا، وتركت آخر!!
فلم يرد إبراهيم على
غباء هذا الرجل، ولم يستمر في جداله في هذا الأمر، بل سأله سؤالاً آخر
أعجزه ولم يستطع معه جدالاً، قال له إبراهيم: {فإن الله يأتي بالشمس من
المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة:258] فبهت النمرود، وسكت عن الكلام
اعترافًا بعجزه، وقرر إبراهيم الهجرة من هذه المدينة لأنه لم يؤمن به سوى
زوجته سارة وابن أخيه لوط -عليه السلام- وهاجر إبراهيم ومعه زوجته سارة
وابن أخيه لوط، وأخذ ينتقل من مكان إلى مكان آخر، حتى استقر به الحال في
فلسطين، فظل بها فترة يعبد الله ويدعو الناس إلى عبادة الله، وإلى طريقه
المستقيم.
ومرت السنون، ونزل قحط بالبلاد، فاضطر إبراهيم إلى الهجرة
بمن معه إلى مصر، وكان يحكم مصر آنذاك ملك جبار يحب النساء، وكان له أعوان
يساعدونه على ذلك، فيقفون على أطراف البلاد، ليخبروه بالجميلات اللاتي
يأتين إلى مصر، فلما رأوا سارة، وكانت بارعة الجمال، أبلغوا عنها الملك
وأخبروه أن معها رجلاً، فأصدر الملك أوامره بإحضار الرجل، وفي لحظات جاء
الجنود بإبراهيم إلى الملك، ولما رآه سأله عن المرأة التي معه، فقال
إبراهيم: إنها أختي. فقال الملك: ائتني بها.
فذهب إبراهيم إلى سارة،
وأبلغها بما حدث بينه وبين الملك، وبما ذكره له بأنها أخته، فذهبت سارة
إلى القصر، ولما رآها الملك انبهر من جمالها، وقام
إليها، فقالت له:
أريد أن أتوضأ وأصلي، فأذن لها، فتوضأت سارة وصلَّت، ثم قالت: (اللهمَ إن
كنت تعلم أني آمنتُ بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على هذا
الكافر) [أحمد] فاستجاب الله لها، وعصمها وحفظها، فكلما أراد الملك أن
يمسك بها قبضت يده، فسألها أن تدعو الله أن تُبسَـط يده، ولن يمسها بسوء،
وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات.
فلما علم أنه لن يقدر عليها نادى بعض
خدمه، وقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، ثم أمر
الخدم أن يعطوها هاجر، لتكون خادمة لها.
[البخاري] فعادت سارة إلى
زوجها دون أن يمسها الملك، فوجدته قائمًا يصلي فلما انتهى نظر إليها،
وسألها عما حدث؟ فقالت: إن الله ردَّ كيده عني وأعطاني جارية تسمى هاجر
لتخدمني، وبعد فترة رجع إبراهيم إلى فلسطين مرة أخرى وأثناء الطريق
استأذنه ابن أخيه لوط في الذهاب إلى قرية سدوم ليدعو أهلها إلى عبادة
الله، فأعطاه إبراهيم بعض الأنعام والأموال، وواصل هو وأهله السير إلى
فلسطين، حتى وصلوا إليها واستقروا بها، وظل إبراهيم -عليه السلام- في
فلسطين فترة طويلة.
وأحب الله إبراهيم -عليه السلام- واتخذه خليلاً
من بين خلقه، قال تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء:125] وذات
يوم، أراد إبراهيم أن يرى كيف يحيي الله الموتى، فخرج إلى الصحراء يناجي
ربه، ويطلب منه أن يريه ذلك، قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف
تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من
الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعيًّا
واعلم أن الله عزيز حكيم}
[البقرة:260].
ففعل إبراهيم ما أمره ربه، وذبح أربعة من الطيور ووضع أجزاءها على
الجبال،
ثم عاد إلى مكانه مرة أخرى، ووقف متجهًا ناحية الجبال، ثم نادى عليهن،
فإذا بالحياة تعود لهذه الطيور، وتجيء إلى إبراهيم بإذن ربها، وكانت سارة
زوجة إبراهيم عقيمًا لا تلد، وكانت تعلم رغبة إبراهيم وتشوقه لذرية
طيبة، فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها، لعل الله أن يرزقه منها ذرية
صالحة، فتزوج إبراهيم هاجر، فأنجبت له إسماعيل فسعد به إبراهيم سعادة كبيرة لأنه جاء له بعد شوق شديد وانتظار طويل.
وأمر
الله -عز وجل- إبراهيم أن يأخذ زوجته هاجر وولدها إسماعيل ويهاجر بهما إلى
مكة، فأخذهما إبراهيم إلى هناك، وتوجه إلى الله داعيًا {ربنا إني أسكنت من
ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة
من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم
تركهما إبراهيم، وعاد إلى زوجته سارة، وذات يوم جاءت إليه ملائكة الله في
صورة بشر، فقام إبراهيم سريعًا فذبح لهم عجلاً سمينًا، وشواه ثم وضعه
أمامهم ليأكلوا فوجدهم لا يأكلون، لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب، وهنا
أخبرت الملائكة إبراهيم بأنهم ليسوا بشرًا، وإنما هم ملائكة جاءوا ليوقعوا
العذاب على قرية سدوم، لأنهم لم يتبعوا نبيهم لوطًا، وبشرت الملائكة
إبراهيم بولده إسحاق من سارة، وكانت عجوزًا، فتعجبت حينما سمعت الخبر، فهي
امرأة عجوز عقيم وزوجها رجل شيخ كبير، فأخبرتها الملائكة أن هذا هو أمر
الله، فقالت الملائكة: {أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل
البيت إنه حميد مجيد} [هود:73].
وذات مرة رأى إبراهيم -عليه السلام-
أنه يذبح ابنه في المنام، فأخبر ابنه إسماعيل بذلك، وكان هذا امتحان من
الله لإبراهيم وإسماعيل، فاستجاب إسماعيل لرؤيا أبيه طاعة لله، واستعد كل
منهما لتنفيذ أمر الله، ووضع إبراهيم ابنه إسماعيل على وجهه، وأمسك
بالسكين ليذبحه، فكان الفرج من الله، فقد نزل جبريل
-عليه السلام- بكبش فداء لإسماعيل، فكانت سنة الذبح والنحر في
العيد،
وصدق الله إذ يقول: {وفديناه بذبح عظيم}_[الصافات: 107] وكان نبي الله
إبراهيم يسافر إلى مكة من حين لآخر ليطمئن على هاجر وابنها إسماعيل.
وفي
إحدى الزيارات، طلب إبراهيم من ابنه أن يساعده في رفع قواعد البيت الحرام
الذي أمره ربه ببنائه، فوافق إسماعيل، وأخذا ينقلان الحجارة اللازمة لذلك
حتى انتهيا من البناء، وعندها أخذا يدعوان ربهما أن يتقبل منهما فقالا:
{ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة
مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}
[البقرة:127-128] فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبارك في الكعبة، وجعلها قبلة للمسلمين جميعًا في كل زمان ومكان.
قد
كان لإبراهيم -عليه السلام- رسالة ودين قويم وشريعة سمحة، أمرنا الله
باتباعها، قال تعالى: {قل صدقوا الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان
من المشركين} [آل عمران: 59] أي اتبعوا الدين الحنيف القويم الثابت الذي
لا يتغير، ومرض إبراهيم -عليه السلام- ثم مات، بعد أن أدى رسالة الله وبلغ
ما عليه، وفي رحلة الإسراء والمعراج قابل النبي -صلى الله عليه وسلم- خليل
الله إبراهيم -عليه السلام- في السماء السابعة بجوار البيت المعمور الذي
يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة يتعبدون فيه، ويطوفون، ثم يخرجون ولا
يعودون إليه إلى يوم القيامة.
وذلك كما ذكر في حديث المعراج الذي
يقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- (... ثم صعد بي جبريل إلى السماء
السابعة، فاستفتح جبرائيل، قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل: قيل: ومن معك؟ قال
محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء،
فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، فسلمتُ عليه فرد
السلام، ثم قال مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح ...) [البخاري].
وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خير البرية، فقال:
(ذاك
إبراهيم) [أحمد].. وهو أول من يكْسى يوم القيامة، قال النبي -صلى الله
عليه وسلم- : (... وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) [متفق عليه]..
فالناس يحشرون يوم القيامة عراة، فيكسى إبراهيم عليه السلام تكريمًا له ثم
الأنبياء، ثم الخلائق، وقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم وأثنى
عليه، قال تعالى:
{إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من
المشركين . شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . وآتيناه في
الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة
إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}
[النحل:120-123].
وقد فضل
الله إبراهيم -عليه السلام- في الدنيا والآخرة، فجعل النبوة فيه وفي ذريته
إلى يوم القيامة، قال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته
النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}
[العنكبوت:27].
وإبراهيم
-عليه السلام- من أولي العزم من الرسل، ووصى الله نبيه محمدًا -صلى الله
عليه وسلم- أن يسير على ملته، قال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط
مستقيم دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [الأنعام:61]
وقال: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}
[النحل:123]
ومدح الله إبراهيم بالوفاء والقيام بما عهد إليه، قال تعالى: {وإبراهيم
الذي وفى} [النجم:37] ولأنه أفضل الأنبياء والرسل بعد محمد
-صلى الله عليه وسلم- أمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي عليه في صلاتنا في التشهد أثناء الصلاة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك